ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ، أَوْ الْقِصَاصِ خَاصَّةً لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَإِنْ (قِيلَ) إقَامَةُ الْحَدِّ طَاعَةٌ فَكَيْفَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى إقَامَتِهِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ (قُلْنَا) مَعْنَى الطَّاعَةِ فِيهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ؛ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ كَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ اسْتَصْحَبَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ رِزْقًا كُلَّ شَهْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا إنْ بَيَّنَ مِقْدَارَ مَا يُعْطِيهِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي هَذَا كَالْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ رِزْقًا بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَنُوبُ عَنْ الْقَاضِي فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ قَسَّامُ الْقَاضِي إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُقَسِّمَ كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مُسَمًّى فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِالْأَجْرِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ إقَامَةُ هَذَا الْعَمَلِ عَلَى أَحَدٍ دِينًا فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ قُضِيَ لِرَجُلٍ بِالْقِصَاصِ فِي قَتْلٍ فَاسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَقْتُلُ لَهُ لَمْ أَجْعَلْ لَهُ أَجْرًا، وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَقْتُلُ مُرْتَدًّا، أَوْ حَرْبِيًّا أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَقْطَعَ طَرِيقًا جَازَ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَأُجَوِّزُ الْعَقْدَ فِيهِمَا وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ بِمَحَلِّهِ وَإِقَامَتُهُ جَائِزٌ شَرْعًا فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَذَبْحِ الشَّاةِ وَقَطْعِ الطُّرُقِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (حَرْفَانِ) أَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا فِي الْكِتَابِ فَقَالَ مَا قِيلَ إنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَمَلٍ يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَ إزْهَاقُ الرُّوحِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ كَمَا أَنَّ إدْخَالَ الرُّوحِ لَيْسَ مِنْ صُنْعِ الْعِبَادِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ. فَكَذَلِكَ الْإِزْهَاقُ بِخِلَافِ الذَّبْحِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْيِيلِ الدَّمِ النَّجِسِ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الطَّاهِرُ مِنْ النَّجِسِ، وَذَلِكَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ وَهُوَ مِنْ صُنْعِ الْعِبَادِ وَالْقَطْعُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إبَانَةُ الْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِصُنْعِ الْعَبْدِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إيقَاعُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ مَعَ التَّجَافِي وَمِثْلُهُ مِنْهُ مَا يَحِلُّ شَرْعًا وَمِنْهُ مَا يَحْرُمُ كَالْمُثْلَةِ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ مِنْهُ إيقَاعُ الْفِعْلِ وَالْمَقْصُودُ يَتِمُّ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرْبَتَيْنِ فَلِلْجَهَالَةِ وَالتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالذَّبْحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِإِمْرَارِ السِّلَاحِ عَلَى الْمَحَلِّ لَا بِصِفَةِ التَّجَافِي عَنْهُ وَكَسْرِ الْحَطَبِ بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ عَلَى الْمَحَلِّ بِالتَّجَافِي، وَلَكِنَّ الْكُلَّ فِيهِ سَوَاءٌ فِي صِفَةِ الْحِلِّ شَرْعًا؛ فَلِهَذَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَغْزُو عَنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ طَاعَةٌ فَهُوَ سَنَامُ الدِّينِ وَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ افْتَرَضَ عَلَيْهِ الذَّبُّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى إقَامَةِ