بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْقِسْمَةِ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ: إمْلَاءُ الْقِسْمَةِ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ فِي الْمَحَلِّ الْمُحْتَمَلِ لَهَا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَجَوَازُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَمَّا الْكِتَاب فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28] وَالسُّنَّةُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ «قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَنَائِمَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -» وَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالنَّاسُ يُعَامَلُونَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَإِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَالطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَيْ يَخُصُّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعُ الْغَيْرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ.
وَفِي الْقِسْمَةِ شَيْئَانِ: الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَتَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَهِيَ تَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَمْيِيزٌ مَحْضٌ وَهُوَ الْقِسْمَةُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ؛ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ حَتَّى أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مِقْدَارِ نَصِيبِهِ وَبَعْدَ مَا اقْتَسَمَا نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيَّنَ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ وَلِهَذَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ وَنَوْعٌ هُوَ تَمْيِيزٌ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَالْقِسْمَةِ فِيمَا يَتَفَاوَتُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ؛ وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يَصِفُهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَنِصْفُهُ عِوَضٌ عَمَّا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ مِنْ نَصِيبِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: بَدَأَ الْكِتَابُ بِحَدِيثِ يُسَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَسَّمَ جِبْرِيلُ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ ثَمَانِيَة عَشَرَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُمْ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا فِيهَا أَرْزَاقُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ