الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ جَمِيعِ الثَّمَنِ، فَهَذَا وَمَا لَوْ بَاعَهُمَا لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْقُودُ مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ شَرْعًا، كَانَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَمْلِكُ الْأَصْلَ، وَلَا يُشْرِكُهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ فِيهَا؛ لِانْعِدَامِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الْقَلْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا عَشَرَةٌ نَقْدًا، وَعَشَرَةٌ نَسِيئَةً، فَقَبَضَ النَّقْدَ، وَقَبْضَ الثَّوْبَ وَالْقَلْبَ، كَانَ جَائِزًا، وَكَانَ الْمَنْقُودُ مِنْ الْقَلْبِ خَاصَّةً، وَالنَّسِيئَةُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ، فَكَذَلِكَ إذَا قَبَضَ الْبَعْضَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْبَعْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً: الشُّفْعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْوَتْرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ عَدَدٍ إلَى عَدَدٍ، أَوْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَمِنْهُ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ فَإِنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الْعَابِدِينَ، وَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ بِأَخْذِهِ يَضُمُّ الْمَأْخُوذَ إلَى مِلْكِهِ، فَيُسَمَّى لِذَلِكَ شُفْعَةً، وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُتَمَلَّكُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِلْكًا صَحِيحًا لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ وَتَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»؛ وَلِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِالْمُشْتَرِي فِي إبْطَالِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ بِالْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْبَابِ، وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ الشُّفْعَةُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ مِنْ الْقِيَاسِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ثُبُوتِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -. مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَقَارًا وَرُبْعًا»، وَمِنْ ذَلِكَ مَا بَدَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِتَابَ بِهِ وَرَوَاهُ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَرَضَ بَيْتًا لَهُ عَلَى جَارٍ لَهُ، فَقَالَ خُذْهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، أَمَا إنِّي قَدْ أُعْطِيت بِهِ ثَمَانَمِائَةٍ، وَلَكِنِّي أُعْطِيكَهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ لِأَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقْبِهِ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ بَيْعَ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى جَارِهِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُجَاوَرَةِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَالْمُنَازَعَةِ؛ فَلِهَذَا فَعَلَهُ سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَطَّ