بِالتَّضْحِيَةِ بِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفُوتُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَرُبَّمَا يَعْرِضُ لَهُ عَارِضٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَالْإِذْنُ دَلَالَةً كَالْإِذْنِ إفْصَاحًا كَمَا فِي شُرْبِ مَاءٍ فِي السِّقَايَةِ وَنَظَائِرِهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْزِئُهُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَكِنَّ الذَّابِحَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ فَالْجَوَازُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً، وَلَوْ وُجِدَ الْإِذْنُ إفْصَاحًا لَمْ يَضْمَنْ. فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الْإِذْنُ دَلَالَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ غَلَطَا فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَجْزَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ كَانَا قَدْ أَكَلَا، ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيُجْزِئُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لَحْمَ أُضْحِيَّتِهِ جَازَ ذَلِكَ غَنِيًّا كَانَ، أَوْ فَقِيرًا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ تَشَاحَّا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَضْمِينُ صَاحِبِهِ قِيمَةَ لَحْمِهِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ لَحْمَ أُضْحِيَّتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ.
قَالَ (وَلَوْ أَمَرَ مَجُوسِيًّا فَذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ لَمْ تُجْزِهِ)؛ لِأَنَّ هَذَا إفْسَادٌ لَا تَقَرُّبٌ فَإِنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ، وَلَوْ أَمَرَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا بِذَلِكَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْقُرْبَةِ وَفِعْلُهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ.
قَالَ (فَإِنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ)؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ نَحَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ وَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحِينَ ضَحَّى بِالشَّاتَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِنَفْسِهِ»، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ أَمَا أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِكِ سَبْعِينَ ضِعْفًا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَهَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ الْخَيْرِ أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً».
قَالَ (وَالْأُضْحِيَّةُ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ)؛ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ مَيَاسِيرَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُسَافِرِينَ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى، وَفِي الْأَصْلِ ذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مَا خَلَا الْحَاجَّ وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الْمُقِيمِينَ وَبِالْحَاجِّ الْمُسَافِرِينَ. فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ، وَإِنْ حَجُّوا.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ لِأَهْلِ الْقُرَى أَنْ يَذْبَحُوا الْأَضَاحِيَّ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ بِانْشِقَاقِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ فَيَلْزَمُهُمْ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَلَا صَلَاةَ عَلَى