يُكْتَبَ: هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْغَدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ الْيَهُودِيِّ».
(وَلَمَّا) «أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكِتَابِ الصُّلْحِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا مَا اصْطَلَحَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَهْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْتَرَكَا عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ»؛ فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ عَقْدُ أَمَانَةٍ، وَالْمَقْصُودُ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ، وَذَلِكَ بِالتَّقْوَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ يَحْصُلُ. (ثُمَّ يُبَيِّنُ مِقْدَارَ رَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْقِسْمَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَحْصِيلِ رَأْسِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِيَظْهَرَ الرِّبْحُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ لِيَرْجِعَا إلَيْهِ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ. ثُمَّ قَالَ: (وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَيْدِيهِمَا). وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَيْسَ بِغَائِبٍ، وَلَا دَيْنٍ، بَلْ هُوَ عَيْنٌ فِي أَيْدِيهِمَا. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ شَرَطَ الْخَلْطَ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا. فَلِلتَّوَثُّقِ يَذْكُرُ ذَلِكَ وَيَذْكُرُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِيَانِ بِهِ، وَيَبِيعَانِ جَمِيعًا فِي شَيْءٍ، وَيَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ بِرَأْيِهِ، وَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ. " وَعِنْدَنَا ": هَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُطْلَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، إلَّا أَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ، مَا لَمْ يُصَرِّحَا بِهِ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ يُكْتَبُ هَذَا. (ثُمَّ يَذْكُرُ فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَمَا كَانَ مِنْ وَضِيعَةٍ أَوْ تَبِعَةٍ فَكَذَلِكَ). وَلَا خِلَافَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَضِيعَةِ بِخِلَافِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ بَاطِلٌ، وَاشْتِرَاطُ الرِّبْحِ صَحِيحٌ " عِنْدَنَا " خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.
وَأَمَّا مُكَاتَبَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ. وَإِنَّمَا يَذْكُرُ هَذَا لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الِاخْتِلَافِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُكْتَبُ هَذَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا هَكَذَا. ثُمَّ قَالَ: (اشْتَرَكَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا). وَإِنَّمَا بِتَبْيِينِ التَّارِيخِ تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ؛ حَتَّى لَا يَدَّعِي أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ حَقًّا فِيمَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ. (وَكُتِبَ) التَّارِيخُ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنَّهُ شَاوَرَ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي التَّارِيخِ: مِنْ أَيِّ وَقْتٍ يَعْتَبِرُونَهُ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مِنْ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مِنْ وَقْتِ مَبْعَثِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى التَّارِيخِ مِنْ وَقْتِ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَتَعَامَلُ عَلَيْهِ النَّاسُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْضُلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الرِّبْحِ، لَا فِي الْمَالِ الْعَيْنِ، أَوْ الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمَا، أَوْ فِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شِرَاءُ شَيْءٍ بِتَأْخِيرٍ. فَأَمَّا فِي الْمَالِ الْعَيْنِ: إذَا تَسَاوَيَا فِي رَأْس الْمَالِ وَاشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا، أَوْ تَفَاوَتَا فِي رَأْسِ الْمَالِ، فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ، وَاشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ: يَجُوزُ " عِنْدَنَا "، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ