مِنْهَا كَالْوَلَدِ وَالْعُقْرِ، وَمُتَّصِلَةٌ كَالسِّمَنِ وَانْجِلَاءِ الْبَيَاضِ عَنْ الْعَيْنِ، وَفِي الْكِتَابِ بَدَأَ بِبَيَانِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِبَيَانِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ فَيَقُولُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَحْدُثُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَتَهَا عِنْدَنَا.
(وَقَالَ) الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَحْدُثُ مَضْمُونَةً؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَوَلَّدَتْ مِنْ أَصْلٍ مَضْمُونٍ بِيَدٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَتَحْدُثُ مَضْمُونَةً كَزَوَائِدِ الصَّيْدِ الْمُخْرَجِ مِنْ الْحَرَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ الْأَصْلِ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَالْأَصْلِ. (ثُمَّ) لَهُ فِي بَيَانِ الْمَذْهَبِ طَرِيقَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الزِّيَادَةَ مَغْصُوبَةٌ بِمُبَاشَرَةٍ مِنْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَمَلَّكُونَ بِهَذِهِ الْيَدِ، وَيُسَمُّونَهُ غَصْبًا، فَالشَّرْعُ أَبْطَلَ حُكْمَ الْمِلْكِ بِهَا فِي كُلِّ مُحْتَرَمٍ، وَأَثْبَتَ الضَّمَانَ، وَبَقِيَ حُكْمُ الْمِلْكِ بِهَا فِي كُلِّ مُبَاحٍ كَالصَّيْدِ، ثُمَّ إنَّمَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُثْبِتٌ يَدَهُ عَلَى الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ إنْسَانٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
(وَالثَّانِي) هُوَ أَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْوَلَدِ تَسْبِيبًا، فَإِنَّ غَصْبَ الْأُمِّ وَإِمْسَاكَهَا إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْوَلَدِ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُعْتَادٌ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ يُمْسِكُونَ الْأُمَّهَاتِ لِتَحْصِيلِ الْأَوْلَادِ، وَهَذَا تَسْبِيبٌ هُوَ فِيهِ مُتَعَدٍّ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ تَارَةً وَبِالْغَصْبِ أُخْرَى، وَفِي الْإِتْلَافِ الْمُسَبِّبُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا يُجْعَلُ كَالْمُبَاشِرِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي الطَّرِيقِ فَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ. وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ الْغَصْبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ؛ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ، وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ السَّبَبِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْغَصْبُ فِي الزِّيَادَةِ تَسْبِيبًا وَلَا مُبَاشَرَةً؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ لِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ يَدُهُ مُفَوِّتًا لِيَدِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَاجِبٌ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ، فَلَا يَجِبُ إلَّا بِتَفْوِيتِ شَيْءٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الْغَصْبِ تَفْوِيتُ الْعَيْنِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ التَّفْوِيتَ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَمَّا كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ بِإِزَالَةِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، وَمَا كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَطُّ، وَلَا زَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ أَخْذِهِ لِحُصُولِهِ فِي دَارِ الْغَاصِبِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْغَاصِبُ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الضَّمَانِ حَتَّى يُطَالِبَهُ بِالرَّدِّ، فَإِذَا مَنَعَهُ يَتَحَقَّقُ التَّفْوِيتُ بِقَصْرِ يَدِهِ عَنْهُ بِالْمَنْعِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالثَّوْبِ إذَا هَبَّتْ