رَهْنًا عَلَى حَالِهِ، وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْجُعْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ لِلرَّادِّ بِإِحْيَائِهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ وَمَالِيَّةَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ مَالِيَّةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ التَّوَى سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ فِي الرَّدِّ عَمَلٌ لَهُ فَكَانَ الْجُعْلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ تَخْلِيصِهِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ، وَذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجُعْلُ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ لَا لِإِحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ تَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهِ، وَيَبْقَى جَمِيعُ دَيْنِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّفَقَةَ لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ لِلرَّاهِنِ، وَالْجُعْلُ لِإِحْيَاءِ الْمَالِيَّةِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَالِيَّةَ لَوْ انْتَقَصَتْ بِقُرْحَةٍ خَرَجَتْ بِهِ كَانَ دَوَاءُ ذَلِكَ، وَمُعَالَجَتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ جُعْلُ الْآبِقِ، وَلِلَّذِي جَاءَ بِهِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ بِإِحْيَاءِ مَالِيَّتِهِ فَكَانَ لِمَا يَسْتَوْجِبُ تَعَلُّقًا بِمَالِيَّتِهِ فَيُحْتَبَسُ بِهِ، كَمَا يَحْبِسُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِثَمَنِهِ.
وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي بِإِمْسَاكِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحِقٌّ فِي حَبْسِهِ وَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ بِاعْتِبَارِ إحْيَائِهِ مَالِيَّتَهُ، وَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ حِينَ لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ يَدُ مَوْلَاهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَبِيعِ يَتْلَفُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الثَّمَنِ يَسْقُطُ سَوَاءٌ حَبَسَهُ أَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ، فَهُنَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْجُعْلِ بِمَوْتِهِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ حَبَسَهُ أَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ.
(عَبْدٌ) أَبَقَ وَذَهَبَ مَعَهُ بِمَالٍ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُصُولَ يَدِهِ إلَى الْعَبْدِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ فِي يَدِ الْعَبْدِ حِينَ أَخَذَهُ، وَالْمَوْلَى يَدَّعِي عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُنْكِرٌ، كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ مَالًا وَأَنْكَرَهُ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ رَبُّ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُنْكِرٌ كَمَا لَوْ ادَّعَى؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ حَتَّى يُقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ إقْرَارِهِ.
وَلَوْ أَنَّ أَمَةً أَبَقَتْ مِنْ مَوْلَاهَا فَالْتَحَقَتْ بِأَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَصَابَهَا الْمُسْلِمُونَ فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ جَاءَ مَوْلَاهَا، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَاطِئُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعِنْدَهُمَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَنْ اسْتَوْلَدَهَا، وَلَا سَبِيلَ لِمَوْلَاهَا عَلَيْهَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآبِقَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْرِكُونَ بِالْأَخْذِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحْرِزُوهُ لِكَوْنِهِ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَهِيَ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ وَلَا الْمُسْلِمُونَ بِالِاسْتِيلَاءِ أَيْضًا، فَمَنْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ فِي الِاسْتِيلَاءِ اعْتَمَدَ ظَاهِرَ الشِّرَاءِ، وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ