بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ اللَّقِيطِ.
(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
: اللَّقِيطُ لُغَةً اسْمٌ لِشَيْءٍ مَوْجُودٍ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ وَالْجَرِيحِ بِمَعْنَى الْمَقْتُولِ وَالْمَجْرُوحِ. وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ، مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ لِمَا فِي إحْرَازِهِ مِنْ إحْيَاءِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ، وَإِحْيَاءُ الْحَيِّ بِدَفْعِ سَبَبِ الْهَلَاكِ عَنْهُ
قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وَلِهَذَا كَانَ رَفْعُهُ أَفْضَلَ مِنْ تَرْكِهِ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ تَرْكِ التَّرَحُّمِ عَلَى الصِّغَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرًا، وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرًا فَلَيْسَ مِنَّا»، وَفِي رَفْعِهِ إظْهَارُ الشَّفَقَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ عَلَى مَا قِيلَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَا قُلْنَا الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْكِتَابُ. وَرَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ هُوَ حُرٌّ، وَلَأَنْ أَكُونَ وَلِيتُ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ الَّذِي وَلِيتَ مِنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ اسْتَحَبَّ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ لَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ رَفْعَهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ.
(فَإِنْ قِيلَ): مَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ، وَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَخْذِهِ بِوِلَايَةِ الْإِمَامَةِ؟ (قُلْنَا): نَعَمْ، وَلَكِنْ إحْيَاؤُهُ كَانَ فِي الْتِقَاطِهِ حِينَ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ مِنْهُ بَعْدَمَا ظَهَرَ لَهُ حَافِظٌ وَمُتَعَهِّدٌ فَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ إمَّا بِاعْتِبَارِ الدَّارِ لِأَنَّ الدَّارَ حُرِّيَّةٌ، وَإِسْلَامٌ فَمَنْ كَانَ فِيهَا فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَنْ يَسْكُنُ دَارَ الْإِسْلَامِ الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَالنَّاسُ أَوْلَادُ آدَمَ، وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَكَانَا حُرَّيْنِ