أَنْ يُرَاجِعَهَا فَيُمْسِكَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي تَرَاهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَرَاجَعَهَا الزَّوْجُ وَحَكَمَ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ وَسِعَهَا الْمَقَامُ بِذَلِكَ مَعَهُ وَلَمْ يَسَعْهَا أَنْ تُفَارِقَهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي هُنَا اعْتَمَدَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا وَفِي الْأَوَّلِ قَضَى بِالنِّكَاحِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْحُرْمَةِ فَكَانَ إبْقَاءً لِمَا كَانَ لَا قَضَاءً بِالْحِلِّ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً ثُمَّ حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِالْحَادِثَةِ إذَا كَانَ غَائِبًا لَا رَأْيَ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ قَضَاءَ الْقَاضِي سَوَاءٌ قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالْحِلِّ أَوْ بِالْحُرْمَةِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا مُجْتَهِدًا فَقَضَى الْقَاضِي بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ فَإِنْ كَانَ هُوَ يَعْتَقِدُ الْحِلَّ وَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْحُرْمَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَيَدَعَ رَأْيَ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ رَأْيُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ لِلْكَافَّةِ وَرَأْيُهُ لَا يَعْدُوهُ وَإِنْ قَضَى لَهُ بِالْحِلِّ وَهُوَ يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ رَأْيَ نَفْسِهِ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَأْخُذُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُعَارِضُ الْقَضَاءَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَقْضِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ وَالْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ نَقْضِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ وَالْقَضَاءُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالضَّعِيفُ لَا يَظْهَرُ مَعَ الْقَوِيِّ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: اجْتِهَادُهُ مُلْزِمٌ فِي حَقِّهِ وَقَضَاءُ الْقَاضِي يَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَمِنْ حَيْثُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي أَقْوَى وَمِنْ حَيْثُ حَقِيقَةُ الِاجْتِهَادِ يَتَرَجَّحُ مَا عِنْدَهُ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا فَيَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» يُوَضِّحُهُ أَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَيْسَ بِصَوَابٍ وَلَوْ كَانَ مَا عِنْدَهُ غَيْرُ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ بِالْحِلِّ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يَعْتَقِدُ فِيهِ الْحِلَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] الْآيَةُ فَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يَحِلُّ لِلْمَرْءِ مَا يَعْتَقِدُ فِيهِ الْحُرْمَةَ وَعَلَى هَذَا الْأَمْوَالُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِالْمِيرَاثِ لِلْجَدِّ دُونَ الْأَخِ وَالْأَخُ فَقِيهٌ يَعْتَقِدُ فِيهِ قَوْلَ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْمُقَاسَمَةِ عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَخُ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ وَعَلَى هَذَا الطَّلَاقُ الْمُضَافُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَعْتَقِدُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَقَضَى الْقَاضِي بِخِلَافِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ وَاقِعٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ رَأْيَ الْقَاضِي أَوْ قَضَى بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَفْتَى الْعَامِّيُّ أَقْوَى الْفُقَهَاءِ عِنْدَهُ فَأَفْتَى لَهُ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اجْتِهَادِهِ لِأَنَّهُ وَسِعَ مِثْلَهُ ثُمَّ فِيمَا يَقْضِي الْقَاضِي بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِهِ