إذَا أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الْفُسَّاقِ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ وَالْقَاتِلُ إذَا أَقَامَ فَاسِقَيْنِ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ عَلَى أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ بِحَقٍّ لَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِنَّ نَفْسَ الْقَذْفِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُوجِبًا بِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ الْعَجْزُ لِأَنَّ لِلْفُسَّاقِ شَهَادَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً وَالْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ هُوَ الْقَتْلُ وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْعَفْوُ بَعْدَهُ مُسْقِطٌ وَهَذَا الْمُسْقِطُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَيْسَ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الشَّرْطِ شَرْطٌ وَفِي بَابِ الْقَتْلِ أَوْجَبَ الْقَوَدَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَقَالَ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ثُمَّ قَالَ {: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] فَعَرَفْنَا أَنَّ الْعَفْوَ مُسْقِطٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْعَفْوِ مُقَرِّرًا سَبَبَ الْوُجُوبِ وَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ عِنْدَهُ شَاهِدٌ عَدْلٌ مِمَّنْ يَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقَالَ الْقَاتِلُ: عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ مِثْلُهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يَظْهَرُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُعَجِّلُ بِقَتْلِهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيَأْتِيهِ بِآخَرَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَ عَدْلٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَادَّعَى أَنَّ لَهُ شَاهِدًا آخَرَ حَاضِرًا أَمْهَلَهُ إلَى آخِرِ مَجْلِسِهِ فَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ فِي سَعَةٍ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُثْبِتَ لِحَقِّهِ مُقَرَّرٌ وَالْمَانِعُ لَمْ يَظْهَرْ

وَعَلَى هَذَا مَالٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الْمَالَ كَانَ لِأَبِيك غَصَبَهُ هَذَا الرَّجُلُ مِنْهُ وَلَا وَارِثَ لِلْأَبِ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْمَالَ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً بِدُونِ الْقَضَاءِ وَفِي الْأَخْذِ قَصْرُ يَدِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ فِي الدَّعْوَى إلْزَامُ أَحَدٍ شَيْئًا فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ مُزَاحِمٌ لَهُ بِيَدِهِ وَلَا تَزُولُ مُزَاحَمَتُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَكَذَلِكَ لَا يَسَعُ غَيْرَ الْوَارِثِ أَنْ يُعِينَ الْوَارِثَ عَلَى أَخْذِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ عَايَنَ أَخْذَهُ مِنْ أَبِيهِ وَسِعَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ الْآخِذُ عِنْدَهُ بِالْأَخْذِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُلْزِمٌ فَهُوَ كَمُعَايَنَةِ السَّبَبِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِهِ وَيَسَعُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يَسَعُ مَنْ عَايَنَ ذَلِكَ إعَانَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا امْتَنَعَ وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى سُلْطَانٍ يَأْخُذُ لَهُ بِحَقِّهِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ دَفْعًا عَنْ مِلْكِهِ إذَا قَصَدَ الظَّالِمُ أَخْذَهُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَ فِي اسْتِرْدَادِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015