فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ بِبِنَاءِ الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ وَتَمْكِينِهِنَّ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا وَحَاجَةُ النِّسَاءِ إلَى دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ فَوْقَ حَاجَةِ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ الزِّينَةِ وَالْمَرْأَةُ إلَى هَذَا أَحْوَجُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَتَمَكَّنُ الرَّجُلُ مِنْ الِاغْتِسَالِ فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ
فَأَمَّا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ فَهُوَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السُّرَّةَ وَمَا فَوْقَهَا وَمَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْ الرَّجُلِ وَمَا لَا يَكُونُ عَوْرَةً فَالنَّظَرُ إلَيْهِ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَأَشَارَ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى إلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ لِأَنَّهُ قَالَ: الْخُنْثَى أَلَّا يَنْكَشِفَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَلَا بَيْنَ النِّسَاءِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ النَّظَرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ غِلَظٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي النَّظَرِ كَالرَّجُلِ لَجَازَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشْتَهِي إنْ نَظَرَ وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَهِي أَوْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ نَوْعُ زِنًا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُ» وَالزِّنَا حَرَامٌ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّظَرُ عَنْ شَهْوَةٍ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الشَّيْطَانِ»
فَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ نَظَرُهُ إلَى زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَنَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَنَظَرُهُ إلَى إمَاءِ الْغَيْرِ وَنَظَرُهُ إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى زَوْجَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ فَهُوَ حَلَالٌ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجَتِك وَأَمَتِك «وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَكُنْت أَقُولُ بَقِّ لِي وَهُوَ يَقُولُ بَقِّ لِي» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ مُبَاحًا مَا تَجَرَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ النَّظَرِ وَهُوَ الْمَسُّ وَالْغَشَيَانُ حَلَالٌ بَيْنَهُمَا قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] الْآيَةُ إلَّا أَنَّ مَعَ هَذَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: مَا رَأَيْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا رَأَى مِنِّي مَعَ طُولِ صُحْبَتِي إيَّاهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ» وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ وَفِي شَمَائِلِ الصِّدِّيقِ