مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لَهُ.
وَلِهَذَا شَرَطْنَا الْأَجَلَ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِمِلْكِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا لِيُثْبِتَ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فِي الْمُدَّةِ.
وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا يُطَالِبُهُ بِالْأَدَاءِ مَا لَمْ يَعْلَمْ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ الْأَجَلَ لِيَكُونَ مُتَفَضِّلًا فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ مُنْعِمًا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فِي الْأَصْلِ الْعَقْدُ وَلْيَمْتَحِنْهُ بِمَا تَفَرَّسَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهُ تَمَكَّنَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبِهِ فَارَقَ السَّلَمُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ، وَالْمُمَاكَسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ لَهُ اخْتِيَارًا فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِذِكْرِ الْأَجَلِ لِيُثْبِتَ بِهِ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ.
ثُمَّ يَعْتِقُ الْمُكَاتَبَ بِأَدَاءِ الْمَالِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُضْمِرَ هَذَا بِقَلْبِهِ، وَيُظْهِرَ بِلِسَانِهِ.
وَهَذَا بَعِيدٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ حُكْمُ الْعَقْدِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ السَّبَبِ، وَالْقَصْدُ إلَى الْحُكْمِ، وَالتَّكَلُّمُ بِهِ بَعْدَ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ إضْمَارَ التَّمْلِيكِ بِالْقَلْبِ وَإِظْهَارَهُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَوَّلِ نَجْمٍ مِنْهَا أَوْ كَانَتْ حَالَّةً فَلَمْ يُؤَدِّهَا حِينَ طَالَبَهُ بِهَا رُدَّ فِي الرِّقِّ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ وَتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي مَقْصُودِ الْمَوْلَى، وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَيَسْتَوِي إنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: هَذَا إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ إذَا كَسَرَ نَجْمًا فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَمَا لَمْ يَكْسِرْ نَجْمَيْنِ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْخَلَلِ فِيمَا هُوَ مَقْصُودُ الْعَاقِدِ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْفَسْخِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوُجُودِ الْعَيْبِ بِالْمَبِيعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُ وَبِدُونِهِ يَنْعَدِمُ تَمَامُ الرِّضَا وَانْعِدَامُ تَمَامِ الرِّضَا فِي الْعَقْدِ الْمُحْتَمِلِ لِلْفَسْخِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ صِفَةِ اللُّزُومِ، وَالْعَاقِدُ فِي الْعَقْدِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَازِمًا مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَالشَّرِكَةِ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُنَجَّمَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَمُكَاتَبَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ كَالْبَيْعِ.
وَفِي بَابِ الْبَيْعِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِكَوْنِهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهَذَا فِي مَعْنَى صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ فِيهِ تَعْلِيقُ وُجُوبِ بَعْضِ الْبَدَلِ بِالْخَطَرِ، وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ تَمَكَّنَ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْبَدَلُ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَقَدْ قَرَرْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْعَتَاقِ. وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ