بِالْأَبِ إذَا شَهِدَ عَلَى ابْنَتِهِ بِالزِّنَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ يَغِيظُهُ زِنَاهَا، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إنَّهُ خَصْمٌ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ خَصْمًا مُسْتَوْجِبًا لِلِّعَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّ قَذْفَ الْأَجْنَبِيِّ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ، ثُمَّ إذَا أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الشَّهَادَةِ فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْجِبًا لِلْحَدِّ، وَكَانَ مُحْتَسِبًا فِي الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَهَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْجِبًا لِلِّعَانِ فَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إسْقَاطَ اللِّعَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْحَدُّ الْوَاجِبُ بِزِنَاهَا يُخَلِّصُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ الزَّوْجُ مُدَّعِيًا إذَا قَصَدَ بِشَهَادَتِهِ إثْبَاتَ حَقٍّ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إثْبَاتُ حَقٍّ لَهُ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِأَنْ لَمْ يُعَدَّلُوا لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ عَلَى الزَّوْجِ، كَمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْأَجَانِبِ لِتَكَامُلِ عَدَدِ الشُّهُودِ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَوْ قَذَفَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ جَاءَ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَلَمْ يُعَدَّلُوا لَاعَنَهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْجَبَ اللِّعَانَ بِقَذْفِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِثُبُوتِ الزِّنَا عَلَيْهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاذِفَ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَأَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهَدَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُحَدَّ، وَكَذَلِكَ لَا يُلَاعِنُهَا الزَّوْجُ.
وَلَوْ شَهِدَ مَعَ الزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْعُمْيَانِ بِالزِّنَا عَلَيْهَا يُحَدُّ الْعُمْيَانُ، وَيُلَاعِنُهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ الْعُمْيَانِ فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا، فَإِنَّ تَحَمُّلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مُعَايَنَةٍ وَلَيْسَ لِلْعُمْيَانِ تِلْكَ الْآلَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ الْحَدُّ بِالْقَذْفِ، وَيُلَاعِنُهَا الزَّوْجُ بِقَذْفِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ فَإِنَّ لَهُمْ فِي الزِّنَا شَهَادَةً؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهِمْ فِيهِ.
(قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ لِلْمَرْأَةِ ابْنَاهَا عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأُمِّهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَبُ الْمَرْأَةِ، وَابْنٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ لَهَا رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ بِالْقَذْفِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدٌّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ فِي كِلَا النَّوْعَيْنِ ضَرْبَ شُبْهَةٍ، وَالْحَدُّ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلَكِنْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ كَلَامٌ، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: اللِّعَانُ شَهَادَةٌ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَمِينٌ فِيهِ مَعْنَى الْحَدِّ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ بَعْدَ اللِّعَانِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي الثَّانِي يَسْتَقْبِلُ اللِّعَانَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْحُكْمُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْتَقْبِلُهُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ فِي مَعْنَى الْحَدِّ، وَالْيَمِينُ، وَالْحَدُّ إذَا أَمْضَاهُمَا الْقَاضِي لَا يَسْتَقْبِلُهُمَا قَاضٍ آخَرَ.
وَاسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا الْأَيْمَانُ الَّتِي سَبَقَتْ لَكَانَ لِي، وَلَهَا شَأْنٌ»؛ وَلِأَنَّ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ بِاَللَّهِ، وَهَذَا يَمِينٌ وَيَسْتَوِي فِي اللِّعَانِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا مُسَاوَاةَ