يُؤَدِّيَ شَيْئًا جَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ يَثْبُتُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَوْقَ مَا يَثْبُتُ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ دُونَ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمَوْلَى التَّصَرُّفَاتُ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: يَتَمَكَّنُ بِهَذَا السَّبَبِ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ، أَوْ يَكُونَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ.
وَلَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ يَغْرَمُ الْعُقْرَ، وَثُبُوتُ حُكْمِ الزَّوَالِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِلْمَنْعِ مِنْ التَّكْفِيرِ وَلِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَفَائِتِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ، أَوْ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْكِتَابَةِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ وَقَعَ مِنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلِهَذَا يَسْلَمُ لَهُ الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ وَالْعِتْقُ عِنْدَ الْكِتَابَةِ لَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْمَوْلَى إعْتَاقُ صُورَةٍ فَأَمَّا فِي الْمَعْنَى هُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ مَالُ الْكِتَابَةِ، وَيَسْلَمُ لَهُ الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ، وَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُجْزِي عَنْ كَفَّارَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَفِيهَا أَمْرٌ بِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، وَالتَّحْرِيرُ تَصْيِيرُ شَخْصٍ مَرْقُوقٍ حُرًّا وَقَدْ حَصَلَ. وَالرَّقَبَةُ اسْمٌ لِذَاتِ مَرْقُوقٍ عُرْفًا وَالْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَلَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي رِقِّهِ، وَلَا يَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَكَذَلِكَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ، وَبِهَذَا الشَّرْطِ لَا يُمْنَعُ، وَلَوْ تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي رِقِّهِ لَمَا تُصُوِّرَ فَسْخُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الرِّقِّ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَكَمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَكَذَلِكَ ثُبُوتُهُ مِنْ وَجْهٍ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْكِتَابَةِ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ، وَبِذَلِكَ لَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي رِقِّهِ كَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ فَكٌّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَا يَكُونُ لَازِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَهَذَا فَكٌّ بِعِوَضٍ فَيَكُونُ لَازِمًا وَلَكِنْ، مَعَ هَذَا، الْمَنَافِعُ وَالْمَكَاسِبُ غَيْرُ الرَّقَبَةِ فَبِالتَّصَرُّفِ فِيهَا لَازِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ لَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ، وَالْمِلْكُ كَالْإِعَارَةِ مَعَ الْإِجَارَةِ وَبِسَبَبِ اللُّزُومِ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمَوْلَى التَّصَرُّفُ فِيهِ.
وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْعُقْرِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَكَاسِبِ وَالْمَنَافِعِ؛ وَالْمَكَاسِبُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ وَلَكِنْ بِهَذَا الِاسْتِحْقَاقِ لَا تَصِيرُ الرَّقَبَةُ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِهَذَا السَّبَبِ ظَهَرَ أَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى إيَّاهُ يَكُونُ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا إعْتَاقًا بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ