النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسِكْهَا إذَنْ».
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] وقَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَذَلِكَ كُلُّهُ يَقْتَضِي كُلُّهُ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ «وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ كِبَرُ سِنٍّ وَلَا رِيبَةَ وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ تُمَاضِرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَفًّا وَقَالَ أَنْتُنَّ حِسَانُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَرْدَافِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ طَلَاقٌ وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اسْتَكْثَرَ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ بِالْكُوفَةِ حَتَّى قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ إنَّ ابْنِي هَذَا مِطْلَاقٌ فَلَا تُزَوِّجُوهُ فَقَالُوا إنَّا نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ وَلِأَنَّ هَذَا إزَالَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُبَاحًا فِي الْأَصْلِ كَالْإِعْتَاقِ، وَفِيهِ مَعْنَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ مِنْ وَجْهٍ وَمَعْنَى إزَالَةِ الرِّقِّ مِنْ وَجْهٍ فَالنِّكَاحُ رِقٌّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ أَيْنَ يَضَعُ كَرِيمَتَهُ».
وَرُوِيَ «بِمَ يَرِقُّ كَرِيمَتَهُ» وَلِهَذَا صَانَ الشَّرْعُ الْقَرَابَةَ الْقَرِيبَةَ عَنْ هَذَا الرِّقِّ حَيْثُ حَرَّمَ نِكَاحَ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ.
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «وَإِنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الرِّقِّ وَمُبْغِضٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ ثُمَّ مَعْنَى النِّعْمَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ فَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ فَاسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ سَبَبٌ لِامْتِدَادِ الْمُنَازَعَاتِ فَكَانَ الطَّلَاقُ مَشْرُوعًا مُبَاحًا لِلتَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ.
ثُمَّ هُوَ نَوْعَانِ طَلَاقُ سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ نَوْعَانِ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَسُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ فَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ مَا بَدَأَ بِبَيَانِهِ الْكِتَابُ، وَهُوَ نَوْعَانِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي وَقْتِ السَّنَةِ، وَيَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا.
هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِي اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ ثَلَاثًا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً وَلِأَنَّهُ مُبْغَضٌ شَرْعًا لَكِنَّهُ مُبَاحٌ لِمَقْصُودِ التَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ وَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْحِلُّ الَّذِي هُوَ