الْجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَيْنًا مِنْ وَرَقٍ، أَوْ وَرَقًا مَنْ عَيْنٍ، فَيَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (إِلَّا ثَلَاثَةً) يَعْمَلُ عَمَلَهُ، وَقَوْلُهُ: (إِلَّا دِرْهَمَيْنِ) وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ، فَيُعَادُ مِنْهُ دِرْهَمٌ لِلسَّبْعَةِ فَيَصِيرُ الْبَاقِي ثَمَانِيَةً. وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ كَانَ مُضَافًا، أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ.
فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً إِلَّا دِرْهَمَيْنِ. كَانَ مُسْتَثْنِيًا لِخَمْسَةٍ مُقِرًّا بِمِثْلِهَا.
أَصْلٌ: إِذَا اسْتَثْنَى مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْئًا بَطَلَا ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَكَذَا فَرْعُهُ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا بَعْدَ الْبَاطِلِ إِلَى مَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْبَاطِلَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا تُؤَوَّلُ إِلَيْهِ جُمْلَةُ الْاسْتِثْنَائَاتِ.
(وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. (فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا. لَزِمَتْهُ الْمِائَةُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَدْلُولِ الْمِائَةِ، فَكَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيهِ لَوْلَاهُ ; لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَنَيْتُ فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ: إِذَا صَرَفْتُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. وَثَنَيْتُ عِنَانَ دَابَّتِي: رَدَدْتُهَا عَنْ وَجْهِهَا الَّذِي كَانَتْ ذَاهِبَةً إِلَيْهِ. وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِي غَيْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْجَحْدِ بِمَعْنَى لَكِنْ، وَالْإِقْرَارُ إِثْبَاتٌ.
وَهَذَا: جَوَابُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] ، {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: 62] .
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
(إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِي عَيْنًا مِنْ وَرَقٍ، أَوْ وَرَقًا مِنْ عَيْنٍ. فَيَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ، وَالرَّوْضَةِ ; لِأَنَّهُمَا كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ، وَيُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، وَتُعْلَمُ قِيمَتُهُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَا النَّوْعَ الْوَاحِدَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا. (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ، وَقَدَّمَهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ ; لِاخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَوْ جِنْسَانِ.