بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا، وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً، وَيَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا، أَوْ سِقَايَةً وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ يَرُدُّ الْوَقْفِ إِنَّمَا يَرُدُّ السُّنَّةَ الَّتِي أَجَازَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهَا أَصْحَابُهُ، وَمِنَ الْغَرَائِبِ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمَبْسُوطِ " أَنَّ لُزُومَ الْوَقْفِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - خَاصَّةً، وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] .

(وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ) كَذَا فِي " التَّلْخِيصِ " وَ " الْوَجِيزِ "، وَمُرَادُهُمْ بِتَسْبِيلِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ أَوْ قُرْبَةٍ، وَأَحْسَنُهُ حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي عَيْنِهِ بِلَا عُذْرٍ، مَصْرُوفٌ مَنَافِعُهُ فِي الْبِرِّ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْوَاقِفُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ التَّصَرُّفِ، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، وَمَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَسُمِّيَ وَقْفًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ، وَحَبْسًا لِأَنَّ الْعَيْنَ مَحْبُوسَةٌ (وَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ) عُرْفًا (مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا) ، هَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةٍ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْوَقْفِ، فَجَازَ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ كَالْقَوْلِ.

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ أَذَّنَ فِيهِ وَأَقَامَ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَجَعْفَرٌ، وَلَوْ نَوَى خِلَافَهُ (أَوْ سِقَايَةً وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ) ، أَيْ لِلنَّاسِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ لِقَضَاءِ حَاجَةِ النَّاسِ، وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِيهَا أَنَّ السِّقَايَةَ - بِكَسْرِ السِّينِ - الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخَذُ فِيهِ الشَّرَابُ فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا (وَالْأُخْرَى لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ) ، ذَكَرَهَا الْقَاضِي، اخْتَارَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَدْ سَأَلَهُ الْأَثْرَمُ عَنْ رَجُلٍ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ لِيَجْعَلَهَا مَقْبَرَةً وَنَوَى بِقَلْبِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَعَلَهَا لِلَّهِ فَلَا يَرْجِعُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا تَحْبِيسٌ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ بِاللَّفْظِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لَكِنْ قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذِهِ لَا تُنَافِي الْأُولَى، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنْ كَانَ جَعَلَهَا لِلَّهِ، أَيْ نَوَى بِتَحْوِيطِهَا جَعْلَهَا لِلَّهِ، فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى وَزِيَادَةٌ عَلَيْهَا، إِذْ مَنَعَهُ مِنَ الرُّجُوعِ بِمُجَرَّدِ التَّحْوِيطِ مَعَ النِّيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: جَعَلَهَا لِلَّهِ، أَيِ اقْتَرَنَتْ بِفِعْلِهِ قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِذْنِهِ لِلنَّاسِ فِي الدَّفْنِ فِيهَا - فَهِيَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015