أنزل الله ربُّنا من التشريع على رسله وأنبيائه في مختلف الأزمنة والعصور ما يقيم مصالح العباد في هذه الحياة، وهذه التشريعات التي أنزلها سبحانه قائمة على العلم الذي يتصف به ربُّنا، فعلمه سبحانه محيطٌ بكلِّ شيءٍ في السموات وفي الأرض. وقد شرَّع الله تعالى للناس في الجزيرة العربية على لسان رسوله وخليله إبراهيم وابنه إسماعيل تشريعاتٍ تقيم مصالحهم الدينية والدنيوية.
وقد ذكر الله تعالى في قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ. . .} الآية أنه شرع لهم أربعة أمور تقيم مصالحهم في الجزيرة العربية، فقال: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97].
وسميت الكعبة بهذا الاسم، لأنها مربعةٌ، فكل بيتٍ مربَّع فهو كعبةٌ، وسمَّاها بيتًا، لأنَّ لها سقفًا وجدرًا، والمراد بالكعبة هنا الحرم، وجعل الله الكعبة حرمًا، لأنه حرَّم أن يعتدي الإنسان أو يَقتصَّ من غيره في الحرم، وحرَّم أن تُصاد الطيور والحيوانات في الحرم، وحرَّم أن يُخْتَلى خلاه، أو يُعْضد شوكه.
{وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} المرادُ به جنس الشهر الحرام، والأشهر الحرم أربعةٌ، وهي: رجبٌ، الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، وشهر الله المحرم، واحد فرد وثلاثة سردٌ، وهذه الأشهر الأربعة لا يجوز أن يبدأ المسلمون فيها الحرب والقتال.