الضرَّ الذي نزل بعباده سبحانه {إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي: إذا جماعةٌ من العباد الذين أخلصوا دينهم في حال نزول الضرِّ بهم يشركون في حال رفعه الضرَّ عنهم, وهذا الذي فعله هؤلاء أمر مستغربٌ منه, متعجبٌ منه, فهؤلاء بعد أن وحّدوا كفروا {لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 55] أي: ليكفروا بما آتاهم الله تعالى من كشف الضرِّ, وقوله: {فَتَمَتَّعُوا} أي: بدنياكم, فإنَّها قليلةٌ فانيةٌ و {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عندما تصيرون إلى يوم الدين, وينزل بكم العذاب.
3 - كفار أهل مكة يجعلون لأصنامهم نصيباً مما رزقهم الله تعالى:
أخبرنا ربُّنا العليم الحكيم أنَّ مشركي أهل مكَّة {يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56]. أخبرنا ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ هؤلاء الكفار يجعلون للأصنام والأوثان التي لا تعقل, ولا تعلم, ولا تضر, ولا تنفع, يجعلون لها نصيباً من أموالهم وأنعامهم التي رزقهم الله تعالى إياها, {تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} أقسم ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى بذاته الكريمة, على أنَّهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يفترونه, وهذا السؤال سؤال توبيخ وتقريع, والمراد به أن يعترفوا على أنفسهم في ذلك اليوم, لأنَّ سؤال التوبيخ هو الذي لا جواب لصاحبه إلا ما يظهر فيه فضيحته.
وقوله: {تَفْتَرُونَ} أي: تقوَّلونه على الله تبارك وتعالى.