وجَّه الله - تبارك وتعالى - في هذه الآية خمسة أسئلةٍ, كلُّها يدلُّ على أن الله سبحانه هو المستحقُّ لما سأل عنه, فالمشركون وإن كانوا يشركون بتوحيد الألوهية, لكنَّهم يقرُّون بتوحيد الربوبية, ولا يشركون به معه غيره, فهم يقرُّون بأنَّ الله وحده الذي ينزل لهم الرزق من السماء, فهو الذي ينزل الماء من السماء, وينبت النبات من الأرض, وهم يقرُّون من غير خصامٍ أنَّه سبحانه الذي يملك السمع والأبصار, وخصَّ السمع والأبصار بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة, والقدرة الباهرة العظيمة, وهو سبحانه الذي يخرج الحيَّ من الميت, فالإنسان الحيُّ أخرج من النطفة, والطير من البيضة, والنبات من الحبَّة {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} أي: يخرج النطفة من الإنسان الحيِّ, والبيضة من الطير, والحبَّة من النبات, {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} أي: من يقدِّر الأمور ويقضيها.
ولما كانت إجابة مشركي قريش لا تختلف في أنَّ الله هو الفاعل لذلك وحده لا شريك له قال عزَّ وجلَّ: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32].
ومن نظر في إجابة المشركين علم من هذه الإجابة أنَّه يلزمهم من الإقرار بتوحيد الربوبية الإقرار بتوحيد الألوهية, وإلاَّ وقعوا في التناقض, يقول الله تعالى: فذلكم الله الذي أقررتم باستحقاقه ما أقررتم به هو ربُّكم الحقُّ الذي يستحقُّ أن يعبد دون غيره, فإن عبدتم غيره فقد ضللتم, فأنَّى, أي: فكيف تصرفون عن الحقِّ إلى الباطل!!