بعضها عن بعض، فانها متشابكة متداخلة، وكل منها اكثر تعقيدا في كل ذرة من ذرات تركيبها، من ذلك المخ الالكتروني الذي صنعته. فاذا كان هذا الجهاز يحتاج إلى تصميم افلا يحتاج ذلك الجهاز الفسيولوجي الكيمي البيولوجي الذي هو جسمي، والذي ليس بدوره الا ذرة بسيطة من ذرات هذا الكون اللانهائي في اتساعه وابداعه، إلى مبدع يبدعه؟
ان التصميم أو النظام أو الترتيب، أو سمها ما شئت لا يمكن ان تنشا الا بطريقين: طريق المصادفة أو طريق الابداع والتصميم. وكلما كان النظام اكثر تعقيدا، بعد احتمال نشأته عن طريق المصادفة. ونحن في خضم هذا اللانهائي لا نستطيع الا ان نسلم بوجود الله.
أما النقطة الثانية التي اريد ان أشير إليها في هذا المقام، فهي ان مصمم هذا الكون لا يمكن ان يكون ماديا. وانني أعتقد ان الله لطيف غير مادي. وانني أسلم بوجود اللاماديات، لانني بوصفي من علماء الفيزياء اشعر بالحاجة إلى وجود سبب أول غير مادي. ان فلسفتي تسمح بوجود غير المادي، لانه بحكم تعريفه لا يمكن إدراكه بالحواس الطبيعية، فمن الحماقة اذن ان أنكر وجوده بسبب عجز العلوم عن الوصول اليه، وفوق ذلك فان الفيزياء الحديثة قد علمتني ان الطبيعة اعجز من ان تنظم نفسها أو تسيطر على نفسها.
وقد أدرك سير اسحاق نيوتن ان نظام هذا الكون يتجه نحو الانحلال، وانه يقترب من مرحلة تتساوى فيها درجة حرارة سائر مكوناته، ووصل من ذلك إلى انه لابد ان يكون لهذا الكون بداية، كما انه لابد ان يكون قد وضع تبعا لتصميم معين ونظام مرسوم، وأيدت دراسة الحرارة هذه الآراء وساعدتنا على التمييز بين الطاقة الميسورة والطاقة غير الميسورة، وقد وجد انه عند حدوث اي تغيرات حرارية فان جزءا معينا من الطاقة الميسورة يتحول إلى الطاقة غير الميسورة، وانه لا سبيل إلى ان يسير هذا التحول في الطبيعة بطريقة عكسية، وهذا هو القانون الثاني من القوانين الديناميكية الحرارية.
وقد اهتم بولتزمان بتمحيص هذه الظاهرة، واستخدم في دراستها عبقرية ومقدرته