ثانيا: وحتى عندما تتحرر عقول الناس من الخوف فليس من السهل ان تتحرر من التعصب والأهواء. ففي جميع المنظمات الدينية المسيحية تبذل محاولات لجعل الناس يعتقدون منذ طفولتهم في اله هو على صورة الانسان، بدلا من الاعتقاد بان الانسان قد خلق خليفة لله في الارض. وعندما تنمو العقول بعد ذلك وتتدرب على استخدام الطريقة العلمية فان تلك الصورة التي تعلموها منذ الصغر لا يمكن ان تنسجم مع اسلوبهم في التفكير او مع اي منطق مقبول. واخيرا عندما تفشل جميع المحاولات في التوفيق بين تلك الافكار الدينية القديمة وبين مقتضيات المنطق والتفكير العلمي، نجد هؤلاء المفكرين يتخلصون من الصراع بنبذ فكرة الله كلية. وعندما يصلون إلى هذه المرحلة ويظنون انهم قد تخلصوا من أوهام الدين وما ترتب عليها من تنائج نفسية، لا يحبون العودة إلى التفكير في هذه الموضوعات، بل يقاومون قبول أية فكرة جديدة تتصل بهذا الموضوع وتدور حول وجود الله.
فما هي الطريقة العلمية وما هي أسسها التي تكشف عن وجود الله؟ اننا نستطيع ان نوضح خطوات الطريقة العلمية بايجاز وتبسط فيما يلي: يلاحظ العالم اولا بعض الظواهر التي يقع عليها اختياره ويسجلها، وقد تتم هذه الملاحظة دون تأثير في الظاهرة نفسها كما في دراسة الفلك، او مع شيء من التحكم في العوامل المؤثرة في الظاهرة كما في تجارب المعمل ثم يربط العالم بين ملاحظاته والملاحظات والنتائج التي حصل عليها غيره من العلماء السابقين لكي يحصل على نتائج او فروض جديدة. وتتوقف هذه العملية على الاستنباط اكثر من توقفها على القياس، لان النتائج او الفروض التي يصل اليها العقل بهذه الطريقة تتناول اكثر مما تستطيع ان تصل اليه الملاحظة، فهي بذلك نوع من التنبؤ.
واخيرا اذا أراد العالم ان يختبر صحة فروضه او نتائجه، فان عليه ان يحصل على ملاحظات اضافية جديدة لكي يستوثق بها من صحة النبوءات التي صاغها.