ذلك فان الشخص الاول قد يواجه بعض الصعوبات في ادراك بعض المعاني الأساسية التي تعينه على فهم الموضوع مثل الطيران في الهواء أو الغوص في الماء. وسوف يميل هذا الشخص بطبيعة الحال إلى التشكك في قول صاحبه حتى تتبين له بطريق من الطرق صحة المعلومات التي يقدمها له. وقد لا يكون ذلك أمرا هيناً، ورغم ذلك فان صاحبه يستطيع ان يثبت له صدقه بان يتنبأ له في ضوء ما يراه (مما يعجز الشخص الاول عن ملاحظته) ببعض الظواهر والأشياء التي تتحقق فعلا. فهو يستطيع ان يقول له مثلا: ان طائرا سوف يهبط إلى سطح الماء، ثم لا يلبث الطائر ان يهبط فعلا لكي يختطف سمكة من الماء. وتعتبر صحة التنبؤ في هذه الحالة دليلا على صدق صاحبه فيما يشاهده ويقوله.
ولننتقل بعد هذه المقدمة الموجزة إلى فكر وجود الله، ودعنا نعتبرها الان كما يعتبرها البعض مجرد فرض. فاذا أردنا ان نختبر صحة هذا الفرض، فلابد ان نسلم أولا، ولو مؤقتا، بانه فرض صحيح سواء أكنا نعتقد في ذلك ام لا نعتقد، فاذا لم نسلم بصحة هذا الفرض فاننا نعجز عن الوصول إلى اختبار حقيقي له.
ولابد لنا ان نسلم فوق ذلك بما يسلم به الكثيرون من اي قدرتنا على الملاحظة لا تستطيع ان تمتد لغير جزيء ضئيل نسبياً من الحقيقة الكلية. فالاله الذي نسلم بوجوده لا ينتمي إلى عالم الماديات، ولا تستطيع حواسنا المحدودة ان تدركه، وعلى ذلك فمن العبث ان نحاول اثبات وجوده باستخدام العلوم الطبيعية لانه يشغل دائرة غير دائرتها المحدودة الضيقة. فاذا لم يكن للاله وجود مادي فلابد ان يكون ذلك الاله روحانيا، أو هو يوجد في عالم من الحقيقة غير ذلك العالم الفيزيقي على اية حال، وبذلك فانه لا يمكن ان تحده تلك الأبعاد الثلاثة، أو ان يكون خاضعا لقيود الزمان التي نعرفها، ولابد لنا ان نسلم ان هذا الكون المادي الذي يخضع لقيود الزمان والمكان ليس الا جزءا يسيرا من الحقيقة الكبرى التي ينطوي عليها هذا الوجود. وليس مثل ذلك الا كمثل سطح البحر بالنسبة