إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الأربعون من اللقاءات الشهرية التي تتم ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذه الليلة ليلة الأحد الحادي والعشرين من شهر رجب عام (1417هـ) ، أحمد الله سبحانه وتعالى أن يسر مثل هذه اللقاءات، وأسأله تبارك وتعالى أن يثيبنا جميعاً، وأبشر الإخوة الذين يحضرون إلى هذه اللقاءات أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وأن مجالس الذكر هي رياض الجنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حلق الذكر) .
إنني أحمد الله سبحانه وتعالى على تيسير مثل هذه اللقاءات، وأسأله تعالى أن يجعلها لقاءات نافعة مباركة.
لدينا اليوم موضوع وهو أننا الآن في شهر رجب، وشهر رجب هو أحد الأشهر الأربعة الحرم، والأشهر الأربعة الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.
كما قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] وقد ورد في هذا الشهر صلوات وصيام وأذكار لكنها كلها ضعيفة، لا تثبت بها حجة، ولا تُثبت بها سنة، وإذا ثبت ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يقول: هذا شهر محرم، سأزيد فيه من صلاتي، أو أزيد فيه من ذكري، أو أزيد فيه من صيامي، أو ما أشبه ذلك، لماذا لا يجوز؟ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أدرك هذا الشهر، فهل زاد فيه على غيره؟ لا، إذا لم يزد فيه على غيره فليس من حقنا أن نقول: إنه شهر محرم نزيد فيه على غيره؛ لأننا نحن متبعون ولسنا مبتدعين، ولو أن الإنسان فيما يتقرب به إلى الله اتبع ذوقه أو اتبع رأيه لأصبح بلا دين؛ لأنه إنما يتبع هواه، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50] .
إذاً علينا ألا نخص شهر رجب إلا بما خصه الله به ورسوله، أنه شهر محرم يتأكد فيه اجتناب المحرمات، وأنه لا يحل فيه القتال مع الكفار فإنه شهر محرم، والأشهر الحرم لا قتال فيها إلا إذا بدءونا بالقتال أو إذا كان ذلك سلسلةً قتالية امتدت إلى الشهر المحرم.
كذلك أيضاً نحن الآن في النصف الأخير من شهر رجب، مقبلون على شهر شعبان فهل لشهر شعبان مزية على غيره؟
صلى الله عليه وسلم نعم، له مزية على غيره في الصيام فقط، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يكثر من صيامه حتى كان يصومه كله إلا قليلاً منه، فإكثار الصيام في شعبان من السنة أما في رجب فلا.