الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن من المناسب أن يكون لقاؤنا هذا وهو اللقاء الشهري الذي يتم في مساء كل سبت من السبت الثالث من كل شهر، وهذا هو السبت السادس عشر من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) .
وكان ما ذكره أخونا الشيخ/ حمود بن عبد العزيز الصايغ هو موضوع البحث لاستقبال دور العلم للشباب، لكن قد يكون هناك شيء معترض كما يقول النحويون: هذه جملة معترضة، والشيء الذي اعترض هو ما حصل قبل الليلة الماضية من كسوف القمر، يقال: كسوف القمر وخسوف القمر ويقال: كسوف الشمس وخسوف الشمس، لكن الأكثر أن يقال في القمر: خسوف، وفي الشمس: كسوف.
نحن نعلم جميعاً أن خالق السماوات والأرض هو الله عز وجل، وخالق الشمس والقمر هو الله عز وجل، ومسير الشمس والقمر هو الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] محجوب {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:38-39] فهما -أعني: الشمس والقمر- يسيران بأمر الله عز وجل منذ خلقهما الله تعالى وإلى أن يأذن الله تعالى بخرابهما وانتهاء العالم، هذه الشمس تطلع كل يوم، والهلال يهل كل شهر بأمر الله عز وجل هو المدبر لهما؛ ولهذا لما حاج الرجل إبراهيم في ربه، فقال له إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] فقال له إبراهيم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] فما استطاع أن يرد على هذا الإيراد: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258] ولهذا لو اجتمعت الخلائق كلها على أن ترد الشمس عن طلوعها أو تعجل في غروبها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإنما الذي يقدر على ذلك هو خالقها الله رب العالمين جل وعلا.
وإذا أراد الله تعالى أن ينذر عباده خسف القمر وكسف الشمس بأمره جل وعلا، هما آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، هكذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشمس كسفت في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، في اليوم التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، وصادف أن ذلك اليوم كان فيه موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم؛ لأنهم في الجاهلية يقولون: الشمس تكسف إذا مات عظيم، والقمر يخسف إذا مات عظيم، فأعلن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلان هذه العقيدة وقال: (إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) قال: (لموت أحد) لأن هذا هو المعتقد في زمن الجاهلية (ولا لحياته) طرداً للباب، وإلا فلا نعلم أن أحداً من الناس قال: إن الشمس تنكسف أو القمر ينخسف لحياة أحد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الموت بذكر الحياة طرداً للباب، وأن حياة الناس وموتهم لا يؤثر في العالم العلوي أبداً.