اللقاء الشهري (صفحة 788)

شروط من يجب عليهم صوم رمضان

بما أننا في استقبال رمضان أحب أن أتكلم كلاماً يسيراً في بيان من يجب عليه أداء الصوم: الصوم يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خالٍ من الموانع، إذا تمت هذه الشروط الستة وجب أداء الصوم في رمضان: الشرط الأول: مسلم.

أي: لا كافر، الكافر لا نقول له: صم، ماذا نقول له؟ نقول: أسلم أولاً ثم صم، فالكافر لا يؤمر بالصوم، لكن هل يعاقب عليه في الآخرة؟

صلى الله عليه وسلم نعم يعاقب عليه في الآخرة، لكن إذا أسلم في منتصف رمضان هل يجب عليه قضاء النصف الماضي؟ لا؛ لأنه كان كافراًَ، لكن يجب عليه أن يصوم ما بقي؛ لأنه الآن مسلم إذا تمت الشروط.

الشرط الثاني: بالغ.

ضده من ليس ببالغ وهو الصغير، فالصغير لا يجب عليه الصوم؛ لأن القلم مرفوع عنه، لكن كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أولادهم الصغار، حتى إن الطفل ليبكي ويعطونه لعبة يتلهى بها إلى الغروب، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجب على ولي كل صبي أن يأمره بالصوم إذا أطاقه ليألفه، ويتمرن عليه، ويسهل عليه بعد البلوغ، لكن لو فرض أننا صومنا الصبي وفي أثناء النهار أفطر، قلنا: أكمل الصوم، قال: لا، أنا سوف آكل وأشرب، هل نلزمه بالإمساك أم لا؟ لا نلزمه بالإمساك؛ لأنه لا يجب عليه الصوم.

الشرط الثالث: عاقل.

وضد العاقل المجنون الذي لا عقل له كالذي سُلِبَ العقل -والعياذ بالله- وصار مشدوهاً، أو من بلغ من الكبر عتياً حتى صار لا يميز، هذا أيضاً ليس عليه صوم، المجنون ليس عليه صوم، والذي لا يميز لكبره ليس عليه صوم، والذي لا يميز لكبره لا يطعم عنه؛ لأنه لا يجب عليه الصوم، فلا صوم ولا إطعام.

الشرط الرابع: أن يكون قادراً، وضد القادر العاجز، والعاجز نوعان: عاجزٌ لا يرجى أن يزول عجزه، وعاجزٌ يرجى أن يزول عجزه، العاجز الذي لا يرجى عجزه لا صوم عليه، ولكن يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، مثل: الكبير الذي يعجز عن الصوم لكبره لا يرجى زوال عجزه، لماذا؟ لأن الكبير لا يمكن أن يعود شاباً فيقدر على الصوم وهو الآن لا يستطيع، هذا نقول: أطعم عن كل يومٍ مسكيناً وتبرأ ذمته، وأيضاً مثل أصحاب المرض الذي لا يرجى زوال مرضهم، مثل: السرطان نسأل الله العافية، وأصحاب الكلى الذين عندهم مرض في كلاهم، وأصحاب السكر الذين لا يستطيعون أن يصبروا عن الماء ومن أشبههم، هؤلاء أيضاً عجزهم لا يُرجى زواله، نقول: أطعموا عن كل يوم مسكيناً، وتكونون كالذين صاموا.

أما العجز الذي يُرجى زواله فهو النوع الثاني فهذا نقول له: انتظر حتى يزول عجزك ثم اقض ما فاتك، كالمريض مرضاً عادياً، نقول: انتظر حتى يشفيك الله ثم اقض؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] .

الشرط الخامس: أن يكون مقيماً، وضده المسافر، فالمسافر لا يجب عليه الصوم، أي: لا يجب عليه أداءً لكن يبقى في ذمته، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] ، ولكن هنا نسأل: الأفضل للمريض أن يصوم أو يفطر؟ نقول: إن كان يشق عليه الصوم فالصوم في حقه مكروه، وإن كان يضره الصوم مثل أن يقول الطبيب: لا بد أن تتناول هذه الحبوب كل أربع ساعات وإلا انتقض مرضك.

فهنا يحرم عليه الصوم ويجب أن يفطر، وإن كان لا يشق عليه الصوم ولا يضره وجب عليه؛ لأنه إنما رخص للمريض من أجل التيسير عليه، وإذا كان كله واحد سواءً صام أو أفطر قلنا: يجب عليك أن تصوم.

المسافر لو سألنا: هل الأفضل الإفطار أو الصوم؟ نقول: فيه التفصيل: أما إذا كان يشق عليك الصوم مشقة شديدة فالصوم في حقك حرام، وأما إن كان يشق عليك مشقة يسيرة فالصوم في حقك مكروه، وأما إن كان لا يشق عليك فهنا اختلف العلماء؛ قال بعضهم: الصوم أفضل، وقال بعضهم: الفطر أفضل، ونحن نقول: الصوم أفضل ما دام الكل سواء عندك سواءً أفطرت أم صمت، فالصوم أفضل لماذا؟ أولاً: لأن الإنسان إذا صام مع الناس صار أسهل؛ يتسحر مع الناس ويفطر مع الناس، فيجد كل من عن يمينه وشماله كلهم صوَّام، فيكون أسهل عليه بلا شك.

ثانياً: أنه إذا عيَّد عيَّد مع الناس، لأنه الآن أتم صومه، لكن إذا عيَّد ثم ذكر أن عليه صياماً يكون العيد في فطره ناقصاً لا يفرح به ذاك الفرح.

ثالثاً: أنه إذا صام فإنه أسهل عليه من جهة أنه لو قضى، أو قلنا: اقض، يكون صعباً عليه القضاء، حتى إن بعضهم يماطل: هذا الأسبوع الأسبوع الثاني الثالث، وإذا برمضان الثاني قد جاء، فالقضاء صعب على الإنسان.

رابعاً: أنه لا يدري فلعله يموت ويكون الصوم ديناً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وسألته امرأة قالت: (إن أمي نذرت أن تصوم فلم تصم حتى ماتت، قال: أرأيت لو كان على أمك دينٌ أكنت قاضيته؟) .

خامساً وهو ختام المسك: أنه أكمل اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ولم يفطر إلا من أجل أصحابه، ودليل ذلك: قال أبو الدرداء: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في يوم شديد الحر وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء.

تصور الحالة الآن، أكثرهم ظلاً صاحب الكساء لا يوجد خيام، ومنا من يتقي الشمس بيده -ما عنده شيء، يتقيه بيده من شدة الحر- قال: وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة.

إذاً الأسوة التامة بالرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يصوم الإنسان مع الفوائد الأربع التي ذكرناها قبل، ولكن -الحمد لله- الأمر ميسر لو قال: أنا أفطر وأقضي، قلنا: لا بأس، هذا كلام الله عز وجل.

الشرط السادس: الخلو من الموانع، ونعني بذلك: الحيض والنفاس؛ لأن المرأة إذا كانت حائضاً يحرم عليها الصوم بإجماع المسلمين، وبالنص عن سيد المرسلين، قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) الله أكبر! وصفهن بأنهن ناقصات عقل ودين، وقال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل) اللب: العقل الكميل؛ لأن اللب داخل القشور محصن بها، فاللب: العقل (أذهب للب الرجل) من الرجل؟ الحازم وليس الرخو (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) فكيف بالرجل الرخو، ضعيف النفس، ضعيف الدين، هل يذهب عقله وراء النساء، أم لا يذهب؟ يذهب عقله وماله (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) انظر كلام الرسول عليه الصلاة والسلام! فتباً لقوم يريدون الآن أن يظهروا النساء المحجبات إلى الشوارع سافرات، قاتلهم الله وأفسد عليهم أمرهم، إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بمصالح الأمة، ولا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام إلا تحذيراً للأمة أن يقعوا في شَرَكَ الشر: (أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قالوا: يا رسول الله، كيف ينقص دينها؟ -لأن المرأة لا تحب أن ينقص دينها- قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلنا: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها) المسلمون يصومون وهنَّ مفطرات، المسلمون يصلون وهن لا يصلين، (قالوا: ونقص العقل؟ قال: أليس شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد؟ قلنا: بلى.

قال: ذلك من نقصان عقلها) الرجل أضبط للشهادة تحملاً وأداءً، لا عند التحمل والمشاهدة، ولا عند الأداء عند القاضي، الرجل أحفظ للشهادة من المرأة، المرأة يأتي يشهد واحد من الرجال وآخر معه تقبل الشهادة.

فلو قال زيد: أنا أطلب عمراً ألف ريال، فقال له القاضي: هات الشهود، قال: عندي شهود فلان وفلان، هل يثبت الحق على عمرو أم لا؟ يثبت، قال آخر: عندي رجل وامرأة يثبت أو لا يثبت؟ لا يثبت؛ لأن شهادة المرأتين عن شهادة رجل واحد.

المهم أن المرأة إذا حاضت أو نفست فإنها لا تصوم بالإجماع، ولكن: هل هي حين صبرت على قضاء الله وشرع الله هل هي مأجورة؟ نعم مأجورة، لكنها ليست كأجر الفاعل، بدليل: رجل غني يتصدق ويعتق ويحج، وآخر فقير لا يقدر على الحج ولا على الصدقة ولا على العتق، أيهما أعظم أجراً؟ الأول، ولهذا شكا الصحابة رضي الله عنهم للرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور -راحوا بها- يتصدقون ويعتقون فكيف بنا؟ -فعلمهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يسبحوا الله ويحمدوا الله ويكبروا الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين- وقال: إنكم تدركون من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم) لكن ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إنكم مثلهم في الأجر، فالفاعل ليس كغير الفاعل، وإن كان من لم يفعل غير قادرٍ شرعاً أو غير قادرٍ حساً.

أقول: هل المرأة تثاب على صبرها على حبسها عن الصلاة والصيام في أيام الحيض؟ الجواب: نعم.

ولهذا لا ينبغي للمرأة أن تتكلف في رمضان وتستعمل الحبوب المانعة من الحيض حتى لا تفطر وحتى لا تترك القيام.

نقول: لا، احمدي الله، أبقي الأمر على طبيعته، فهذا أسلم للبدن وأسلم من العواقب، وهو شيء كتبه الله على بنات آدم.

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أفضل زوجات هذه الأمة، لو سئلنا: من أفضل زوجات هذه الأمة؟ قلنا: عائشة وخديجة رضي الله عنهما.

كانت مع النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع معتمرة متمتعة بالحج إلى العمرة كسائر نساء النبي عليه الصلاة والسلام، ففي أثناء الطريق أتاها الحيض، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي؛ لأنها تعرف أن الحائض لا يمكن أن تطوف ولا تسعى، قال: (ما يبكيك؟ فأخبرته أنها حاضت، قال لها: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم) تسلية وعزاء: (شيء كتبه الله على بنات آدم) أي: ليس خاصاً بك، ومعلوم أن الإنسان يتسلى إذا رأى غيره مثله، ويتأسى به، ثم أرشدها ماذا تفعل.

الشاهد: أننا نقول للمرأة: إذا أتاها الحيض في رمضان لا تأسفي ولا تحزني ولا تبكي هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فدعي البدن على طبيعته أسلم وأقل خطراً من الأمراض، ثم إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015