اللقاء الشهري (صفحة 684)

شروط النكاح

أما عقده فإن أهم الشروط فيه: رضا كل من الزوجين بالآخر، لا بد من رضا الزوج، فلا يجوز إجبار الزوج أن يتزوج بامرأة لا يريدها، وقد كانت عادة عند بعض أهل البادية أن يجبروا الإنسان أن يتزوج بابنة عمه ويرى أن عاراً أن يخرج عن القبيلة، ولهذا يجبرون بعض شبابهم على أن يتزوجوا من بنات عمهم، وهذا غلط، وإذا أجبر الزوج على ذلك فإن النكاح لا يصح، وللزوج أن يمتنع وأن يقول: لا أريد أن أتزوج بهذه المرأة حتى وإن غضب أبوه وأمه، لأن هذه أمور تتعلق بالإنسان شخصياً، فكيف يجبر على امرأة لا يريد أن يتزوج بها لمجرد حمية الجاهلية، وإذا كان لا يجبر الإنسان على طعام لا يشتهيه مع أن الطعام أمره سهل ساعة أو نصف ساعة ثم ينحدر إلى الخلاء، فكيف يجبر على أن يتزوج امرأة تبقى معه ما شاء الله أن تبقى، وتكون أم أولاده وهو لا يريدها.

كذلك المرأة إذا أجبرت على أن تتزوج بمن لا تريد فإن النكاح لا يصح، حتى وإن كانت بكراً، حتى وإن كان الذي زوجها أبوها، فإنه لا يحل له أن يزوجها بمن لا ترضاه، وسواء عللت عدم الرضا بأن قالت: لا أرضاه لأنه قبيح، لا أرضاه لأنه سيئ الخلق لا أرضاه لأنه قليل المال لا أرضاه لأنه أمي.

أو قالت: لا أرضاه؛ لأن نفسي لم تطب به لا أريد أن أتزوج بهذا الرجل، فإنه لا يجوز إجبارها.

وإن بعض الناس يجبر ابنته على أن تتزوج بابن عمها، وشرٌ من ذلك من يجبرها على أن تتزوج بهذا الرجل؛ لأن هذا الرجل يريد أن يزوج أباها أو أخاها بأخته أو بنته، فيكون ذلك شغاراً.

إذاً: من أهم الشروط في النكاح: رضا الزوج والزوجة، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم -أي: الثيب التي تزوجت من قبل- حتى تستأمر) .

والفرق بين الاستئذان والاستئمار أن الاستئمار تشاور وتراود ومبادرة الحديث والنقاش، لأن الثيب قد زال عنها الحياء، أما الاستئذان فإنه يقال لها: إن فلاناً خطبك فهل تريدين أن تتزوجي به، بدون مشاورة، استئذان فقط، وقد فرق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين البكر والثيب في الإذن أيضاً، فقالوا: (يا رسول الله! البكر تستأذن كيف أذنها؟ قال: إذنها أن تصمت) ما معنى تصمت؟ أي: تسكت لا تتكلم، فلو قال لها أبوها مثلاً: أترغبين أن تنكحي فلاناً؟ فسكتت، أو قال: فلاناً خطبك فسكتت، فهذا إذن، ولا يحتاج أن تقول: نعم، لأنها بكر تستحي، فإن قالت: لا أريد، فإنه لا يزوجها، ولا يحل له أن يجبرها على ذلك، حتى ولو كان أباها، لأنه ثبت في صحيح مسلم قال: (البكر يستأذنها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب.

وأما من ذهب من أهل العلم إلى أن البكر يجوز لأبيها أن يجبرها كما زوج أبو بكر عائشة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يستأذنها فإن ذلك مذهب ضعيف، لأننا نقول: مَنْ مثل عائشة ومن مثل النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل يعقل أن عائشة ترفض الرضا بالرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا يعقل، لكن امرأة في وقتنا الآن يعقل وبكل سهولة أن ترفض النكاح من شخص معين، ونقول لهذا المستدل: ائت لنا بامرأة مثل عائشة ولن تأتي لنا برجل مثل النبي عليه الصلاة والسلام.

فإذا تعارض رأي الأب أو الولي الآخر ورأي المرأة، فعينت المرأة شخصاً وعين الولي شخصاً آخر، فبتعيين من نأخذ؟ بتعيين المرأة؛ لأنها هي صاحبة الشأن، فإذا أبى أن يزوجها قال: إما أن تتزوجي من عينته أنا وإلا فلا نكاح، قلنا: اجلس لا تزوجها، يزوجها الولي الآخر الذي بعده، فالأب مقدم على الأخ الشقيق، وإذا أبى الأب أن يزوجها من هو كفء يزوجها أخوها الشقيق، وأخوها من أب يزوجها إذا لم يوجد أخ شقيق، إذا لم يوجد أخ لأب هل يزوجها الأخ من الأم؟

صلى الله عليه وسلم لا، الأخ من الأم لا ولاية له، كل الذين يأتون من قبل الأم ليس لهم ولاية، الأخ من الأم لا ولاية له، أبو الأم لا ولاية له، الخال لا ولاية له.

لو وجدنا امرأة ليس لها إلا خال وليس لها عصبة، فإن خالها لا يزوجها، يزوجها القاضي -الحاكم الشرعي- لأن جميع من يأتي من قبل الأم وحدها ليس له ولاية النكاح، لا يزوج، فيجب أن ننتبه لهذا؛ لأن بعض الناس يظن أن الأخ من الأم له ولاية في النكاح وليس كذلك.

أقول: إذا أبى الولي الأقرب أن يزوج المرأة من كان كفئاً انتقلت الولاية إلى الولي الآخر الذي يليه، فإن أبى وقال: إذا كان أبوها لم يزوجها فليس لي دخل، نقول: الذي بعده، إذا أبى كل القرابة يزوج القاضي، ومن المعلوم أن النساء قد تستحيي فلا ترفع الأمر إلى القاضي، لكننا نعظ هؤلاء الأولياء: أن يتقوا الله عز وجل فيمن ولاهم الله عليهم من النساء، وألا يمنعوهن حقهن في النكاح إذا خطبهن من هو كفء في دينه وخلقه.

فإذا قال الأب: أنا أكره هذا الخاطب، لا أريد أن أزوجه؛ لأنه كان بيني وبينه خصومة في أرض سابقاً فلا يمكن أن أزوجه، فهل هذه علة تمنع نكاح هذه المرأة لهذا الرجل؟ الجواب: ليست علة، لأن هذا أمر شخصي بينك وبين الرجل، أما المرأة فلا تمنعها حقها، وإني أقول لهؤلاء الذين يمنعون النساء من أن يتزوجن بمن يكرهون أقول: أرأيتم لو أن أحداً من الناس منعكم أن تتزوجوا أترضون؟ الجواب: لا، فإذا كنتم لا ترضون أن يمنعكم أحد من النكاح فلماذا ترضون أن تمنعوا هؤلاء النساء؟ ثانياً: لا بد من الولي، الولاية تنحصر في: الأبوة والبنوة والأخوة والعمومة والولاء، فمن الذي يدخل في الأبوة؟ يدخل في الأبوة الآباء وإن علوا بمحض الذكور، الأب أبو الأب أبو أبي الأب أبو أبي أبي الأب.

أبو الأم؟ ليس ولياً، لماذا؟ لأنه ليس بمحض الذكور، بينه وبين المرأة أنثى أبو الجدة لا ليس بولي الفروع؟ تنحصر الولاية في الذكور فقط من الفروع، في الذكور وإن نزلوا بمحض الذكور الابن ولي ابن الابن ولي ابن ابن الابن ولي ابن البنت؟ لا.

لماذا؟ لأنه ليس بمحض الذكور، حال بينه وبينها أنثى، إذا اجتمع أب وابن كامرأة مطلقة لها أب ولها ابن من يزوجها؟ يزوجها الأب، في ولاية النكاح الأبوة مقدمة على البنوة، وفي الميراث البنوة مقدمة على الأبوة -أي: في التعصيب- والأخوّة يدخل فيها الأخ الشقيق والأخ لأب؛ لأن الإخوة الأولياء هم الذكور الذين لم يدلوا بأنثى، الأخ الشقيق، الأخ لأب، ابن الأخ الشقيق ولي، ابن الأخ لأب ولي، ابن ابن الأخ الشقيق ولي، ابن ابن الأخ لأب ولي، ابن الأخت ليس بولي؛ لأنه ليس بمحض الذكور، بينه وبين المرأة أنثى.

الرابع: العمومة يدخل فيها الأعمام وأبناؤهم وإن نزلوا بمحض الذكور، عم شقيق ولي، عم لأب ولي، ابن عم شقيق ولي، ابن عم لأب ولي، عم لأم -عمك أخو أبيك من أمك- ليس بولي، لأنه أدلى بأنثى، وإذا اجتمع ابن ابن أخ شقيق وعم شقيق فإنه يقدم ابن ابن الأخ الشقيق، لأنه أسبق في جهة الأخوّة، ولهذا رتبنا الأولياء جهات أربع: أبوّة ثم بنوّة ثم أخوّة ثم عمومة.

الخامس الولاء، أي: لو أن إنساناً أعتق أمة وليس لها ولي، فهو الذي يزوجها، الولاء.

فما هو الدليل على اشتراط الولي في النكاح؟ نقول: الدليل بالقرآن والسنة، قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] والآية ليست (إنكحوا) (أنكحوا) أي: زوجوا الأيامى، (الأيامى) جمع أيم وهي التي فقدت زوجها، أو التي لا زوج لها مطلقاً، وقال تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] فلولا أن النكاح لا ينعقد إلا بولي لكان عضله وعدمه سواء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وقال: (أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل) .

فإذا قدرنا أن الولي الأقرب غائب غيبة منقطعة، يشق علينا أن نصل إليه، يشق علينا أن نأخذ الموافقة منه بالهاتف أو بالفاكس فمن يزوج؟ الأخ، كامرأة أبوها مثلاً في دولة بعيدة، لا نعلم مكانه، ولو علمنا مكانه لا يمكن أن نتصل به، فيزوجها أخوها الذي عندها، لأنه متى تعذر الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى الأبعد، وكذلك إذا امتنع الولي الأقرب من تزويجها بالكفء انتقلت إلى الولي الأبعد.

من شروط النكاح: الخلو من الموانع، هكذا قال بعض العلماء، فلو تزوج إنسان امرأة لا يحل له أن يتزوجها فالنكاح باطل، سواء علم أم لم يعلم، فلو أن رجلاً تزوج امرأة في عدتها، مات عنها زوجها فتزوجها، فهل نكاحها صحيح أم لا؟ لا يصح، والدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة:235] .

الصورة الثانية: تزوج رجل امرأة في عدة وفاتها لكنه لم يعلم أن العدة لم تنقضِ، ماذا نقول له: النكاح باطل أو غير باطل؟ باطل، قال: أنا ما علمت؟ نقول: الحمد لله، عندما كنت لم تعلم فليس عليك إثم، لكن النكاح باطل يجب أن يفرق بينه وبين المرأة، ثم إذا انتهت العدة عقدنا له من جديد، لأنه لا بد من الخلو من الموانع.

الصورة الثالثة: رجل تزوج امرأة ودخل بها، وجاءت منه بأولاد، ثم شهدت امرأة ثقة أنها أرضعت الرجل والزوجة، فهل النكاح صحيح؟ لا.

لماذا كان باطلاً؟ لأنها أخته من الرضاعة، وقد قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23] إلى قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] إذاً ماذا نصنع؟ نفرق بينه وبين زوجته التي ظن أنها حلال له، نفرق بينهما، بالنسبة للأولاد الذين جاءوا قبل أن يعلم، هل هم للأم وحدها أم للأم والأب؟ للأم والأب، أما كونهم من أم فواضح خرجوا من بطنها، وأما كونهم من أب فلأنهم خلقوا من ماء يعتقد صاحبه أنه وطء حلال، يقول: أنا لو علمت ما تزو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015