الحج والعمرة واجبان في العمر مرة على المستطيع بشروط، وهي: البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والاستطاعة، هذه خمسة شروط إذا تمت وجب على الإنسان أن يحج، ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم تجد محرماً فلا حج عليها ولو كان عندها أموال كثيرة؛ لأنه يتعذر سفرها شرعاً، والمتعذر شرعاً كالمتعذر حساً، ولتطمئن المرأة التي عندها مال وليس عندها محرم ولينشرح صدرها بأنه لا حج عليها كالفقير الذي ليس عنده مال لا زكاة عليه، وهي إذا لاقت ربها في هذه الحال فقد لاقته وليست آثمة؛ لعجزها عن الحج شرعاً، تصبر حتى ييسر الله لها محرماً، فإن لم يتيسر فالحمد لله الأمر واسع.
وكذلك من عليه دين حال مطالب به فليقض دينه أولاً، فإن لم يفِ المال الذي عنده بالدين والحج سقط عنه الحج، وإن كان الدين مؤجلاً -مقسطاً- وهو واثق من نفسه أنه إذا حل أجل الدين أوفاه فليحج، كما لو كان عنده قرض للبنك العقاري وهو واثق من أنه إذا حل أجل القسط فإنه يدفعه فليحج ولو كان عليه دين، أما إذا كان ليس عنده ثقة من نفسه أن يوفي فلا يحج ولو كان الدين مؤجلاً، ولو سامحه صاحب الدين؛ لأن وفاء الدين أهم.
وبهذه المناسبة أحذر ثم أحذر ثم أحذر من التهاون بالدين، فإن التهاون بالدين سفه في العقل؛ لأن الدين عظيم، وأذكر لكم ثلاثة أشياء: أولاً: إذا استشهد الرجل في سبيل الله فالشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، كل المعاصي تكفرها الشهادة، من زنا وسرقة وشرب خمر وغيره تكفره الشهادة إلا أن السرقة ترد إلى صاحبها إلا الدين.
ثانياً: المدين لا يصلي عليه الإمام، إذا مات المدين وعليه دين ليس له وفاء فإن الإمام لا يصلي عليه، والدليل: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا قدم عليه الميت وعليه دين ليس له وفاء، قال: (صلوا على صاحبكم) ولم يصل عليه، والإمام الأعظم رئيس الدولة مثل النبي صلى الله عليه وسلم له السلطة على من تحت يده فلا يصلي عليه، أما إمام كل مسجد فهذا راجع إلى اجتهاد الإنسان، قدم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة رجل من الأنصار فخطا خطوات ليصلي عليه ثم سأل: (أعليه دين؟ قالوا: نعم.
قال: صلوا على صاحبكم -الله أكبر- فتغيرت وجوه القوم، فقال أبو قتادة: يا رسول الله! الديناران علي، قال له: حق الغريم وبرئ منهم الميت؟ قال: نعم.
فتقدم وصلى، ثم كان يسأل أبا قتادة: هل أوفيت عنه؟ فلما قال: نعم.
قال: الآن برَّدت عليه جلدته) من الذي بردت عليه جلدته؟ الميت المدين.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وهذا يدل على أنه يجب على الإنسان أن يحذر من الدين.
تقدمت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: (إني وهبت نفسي لك، فلم يردها الرسول عليه الصلاة والسلام، فقام رجل من القوم قال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: هات المهر، قال: ما عندي إلا إزاري فقط، قال راوي الحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: ليس له رداء -أي: ما عليه إلا إزار أعلى جسده عارٍ؛ لأنه فقير- قال له عليه الصلاة والسلام: إزارك إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار، وإن بقي عليك بقيت بلا مهر -لا يمكن- التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: ما وجدت شيئاً، قال هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم.
سورة كذا وكذا، فقال: زوجتكها بما معك من القرآن) أي: علمها فعلمها، ولم يقل: تسلف من إخوانك، أو تسلف من الناس، مما يدل على عظم شأن الدين، وإخواننا اليوم وقومنا اليوم يشتري الإنسان سيارة بسبعين ألف ديناً، مع أنه يستطيع أن يشتري سيارة بعشرين ألف، لكن يقول: أنا أريد سيارة فخمة، وهذا غلط.
يعمر بيتاً يكفيه أن يعمر بيتاً -مثلاً- بثلاثمائة ألف، يقول: لا أعمر بيتاً بخمسمائة ألف، يعمر بيتاً على قدر حاله، ويمكنه أن يستعمل البيت بدون أن يوثق نفسه بالديون، يقول: لا سأفرش البيت من بابه إلى سطحه، كله حتى الدرج، لماذا وأنت فقير؟ هذا إسراف وغلط، فالتهاون بالدين أمره صعب.
إذاً الإنسان المدين نقول: لا تحج وعليك دين إلا إذا كنت واثقاً من أنه إذا حل القسط وفيت وإلا فالدين أهم.