ومما يفعل في هذه الأيام العشر: ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل، واقتداء بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عشر سنوات في المدينة، إلا السنة العاشرة فقد كان في مكة، والأضحية في الأصل سنة للأحياء، إظهاراً للشعائر، وإظهاراً للسرور، وشكراً لله عز وجل، فالأصل أنها للأحياء، ولكن لا حرج على الإنسان إذا ضحى بواحدة ونواها عنه وعن أهل بيته الأحياء والأموات، وأما تخصيص الميت بأضحية لم يوصِ بها فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد توفي للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بناته الثلاث قبله، ومع ذلك لم يضحِ لهن، واستشهد عمه حمزة بن عبد المطلب ولم يضح عنه، ومات له زوجتان خديجة وزينب بنت خزيمة ولم يضح عنهما، ولو كانت الأضحية عن الميت مشروعة لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إما بقوله وإما بفعله.
إذاً: الأضحية مشروعة عن الأحياء، يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بشاة واحدة، وما يفعله عوامنا اليوم تجد أهل البيت -مثلاً- عشرة أفراد، كل فرد له وظيفة، فيقول كل واحد: أنا أريد أن أضحي عن أبي، كم يكون لأبيه من أضحية؟ عشر، من قال هذا؟! أين مشروعية هذا في كتاب الله أو سنة رسوله أو عمل السلف الصالح؟ كان الصحابة يضحي الرجل بالواحد عنه وعن أهل بيته، وحتى أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يضحي بأكثر من واحدة عنه وعن أهل بيته، مع أنه أكرم الخلق، ومع أن الله أفاء عليه من الأموال ما أفاء ومع ذلك لم يضحِ بأكثر من واحدة.
نقول لهؤلاء الذين يضحون بعشر ضحايا أو أكثر عن أمواتهم نقول: رويدكم، لا تنفقوا أموالكم في شيء لم يفعله الصحابة مع نبيهم، إذا كان لديكم فضل مال فليضح قيم البيت بواحدة عنه وعن أهل بيته ولتصرف بقية هذه الأموال إلى إخواننا في البوسنة الهرسك والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين الذين هم في حاجة إلى أموالنا، أما أن يبطر الإنسان ويسرف فيضحي بعشر ضحايا لواحد أو لاثنين فهذا غلط، وليس من الشرع في شيء، وأخشى أن يكون الإنسان آثماً لا سالماً؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو سألنا أي أحد: من أكرم الناس؟ لقال: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هل ضحى بأكثر من واحدة عنه وعن أهل بيته؟ أبداً ما ضحى، ضحى باثنتين، واحدة عنه وعن أهل بيته، وواحدة عن الأمة جميعاً.
إذاً: لتكن عباداتنا مبنية على علم وبصيرة وهدى، ليس الشرع عاطفة إذا أحب الإنسان شيئاً فعله وتقرب به إلى الله، الشرع شريعة من الله، فهل شرع الله على لسان رسوله أن يضحي الرجل بأكثر من واحدة؟ أبداً.
فالذي أرى: أن من عنده فضل مال فليجد به على إخوانه المتضررين المشردين الميتمين الذين هم في ضرورة لأموالنا، هذا هو الصواب.