الوجه الثاني: من جهة الطلاب.
الطالب يجب عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يكون طالب علم بمعنى الكلمة، لا يدلس ولا يخون ولا يغش ولا يخالف النظام، فإنه بهذا يكون طالباً مثالياً، وبهذا تيسر له الأمور، وتفرج له الكربات؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] ويقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] .
وعلى الطالب في هذا المكان الضنك أن يعتمد على الله، ويستعين به، ويفوض أمره إليه؛ لأنه قد لا يكون له في هذه الحالة حول ولا قوة، فيلجأ إلى الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] أي: كافيه.
لست أقول: إنه لا يعتمد على نفسه فيما حصَّل من العلم، بل يعتمد على ذلك؛ لأن هذا سبب، لكن الله هو المسبب، فعليه أن يكون أكبر اعتماده على الله عز وجل حتى يعينه، ويحسن إذا مدت إليه ورقة الأسئلة أو أمليت عليه أن يذكر الله تعالى بكلمة الاستعانة، وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن هذه الكلمة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنها كنز من كنوز الجنة، فقد قال لـ أبي موسى الأشعري: (يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ففيها تفويض الأمر إلى الله والاستعانة بالله عز وجل، وهكذا كل أمر شاق ينبغي أن يقول هذه الكلمة عنده؛ لأنه يعان بها، ولذلك إذا قال المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح ماذا نقول؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، نستعين بالله عز وجل على إجابة هذا المؤذن الذي دعانا إلى الصلاة ودعانا إلى الفلاح.
وعلى الطالب أن يخشى الله عز وجل من الغش، سواء اختاره لنفسه أم اختاره لغيره، فلا يغش بنفسه ولا يغشش أحداً؛ لأنه مؤتمن، ولا خير في بطاقة شهادة تحملها وهي غش، بل هذه نكبة عليك؛ لأنك -مثلاً- لو حملت بطاقة شهادة في اللغة العربية ثم قيل لك: أعرب هذه الجملة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] من الناس من يحمل بطاقة شهادة في اللغة العربية ولا يعرف يعرب الآية، أين الشهادة؟! ومن الناس من يحمل شهادة اللغة العربية ثم إذا قرأ عددت عليه لحناً ما لا يحصى، لماذا؟ لأن شهادته مبنية على الغش، فهذا لا ينتفع هو بنفسه، ولا ينفع أمته، ولا يدفع عن هذه الأمة العيب، ونحن نريد أن تكون أمتنا في هذه الجزيرة أمة واعية مهذبة معلمة يستفيد منها القريب والبعيد.
أقول: إن عليه أن يتقي الله عز وجل فلا يغش بنفسه ولا يغشش غيره، لا تحمله العاطفة على أن يرى طالباً ضعيفاً يحتاج إلى معونة، فيقول: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ثم يقول: ما المشكل عليك؟ مشكل عليه كذا وكذا فيعطيه ورقة أو يخبره بالمشافهة إذا كان المراقب بعيداً ولم يعلم أن المراقب قريب، من المراقب حقيقة؟ الذي هو على كل شيء رقيب وهو الله عز وجل، فالواجب على الطالب أن يكون طالباً بمعنى الكلمة وأن يتقي ربه.
اشتهر عند بعض الناس أن الغش في المواد غير الدينية لا بأس به على وجه العموم، كل المواد التي هي غير دينية لا بأس بالغش فيها هكذا قال بعض الناس، وبعضهم جعل الأمر أخص من ذلك، قال: اللغة الإنجليزية غش فيها ولا تبالي، وغيرها لا يجوز، وهذا خطأ، ما دامت العلوم مقررة، والشهادة مبنية على إتقان هذه العلوم المقررة في المنهج، فإنه لا يجوز الغش فيها، حتى لو كانت اللغة الإنجليزية، الشيء الذي لا يرتضى من المقررات -مثلاً- يكتب عنه، لكنْ منهج مقرر معتبر لا بد من إتقانه، سواء كان من العلوم الشرعية أو مما يساند العلوم الشرعية كعلوم العربية، أو مما يكون وسيلة لإبلاغ الشرع؛ لأن اللغة الإنجليزية قد تكون وسيلة لإبلاغ الشرع، لو كنت تخاطب من لا يعرف اللغة العربية ولكن يعرف اللغة الإنجليزية كيف توصل إليه الشرع؟ لو مكثت تتكلم معه باللغة العربية من طلوع الشمس إلى غروبها ما فهم، لكن إذا كان معك لغة إنجليزية وهي لغته -مثلاً- فهم واستفاد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو شاب لقن فطن أمره أن يتعلم لغة اليهود، من أجل أن يقرأ ما يرد من كتبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يكتب لهم ما يصدر من الرسول عليه الصلاة والسلام بلغتهم، يقول أهل النقل: إنه تعلم اللغة العبرية في خلال ستة عشر يوماً؛ لأنه شاب لقن فطن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنما تعلمها بهذه السرعة؛ لأن اللغة العبرية قريبة من اللغة العربية.
فدل ذلك على أن اللغة غير العربية لا يذم من تعلمها ولا يمدح، إن كانت وسيلة لخير فإنه يمدح عليها، لو قال: أنا أريد أن أتعلم اللغة الإنجليزية لأدعو بها، نقول له: جزاك الله خيراً، يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] ولا يمكن أن تدعو من لا يعرف اللغة العربية باللغة العربية، بل لا تدعوه إلا بلغته.
فإذا كان الأمر هكذا فلا ينبغي لنا أن نفتي أنفسنا بفتاوى غير صحيحة، ونقول: ما عدا العلوم الشرعية فلا بأس بالغش فيها، وأما اللغة الإنجليزية فعليك بالغش، من قال هذا؟ والشهادة مرتبة على النجاح في كل المواد، فإذا كنت لا تستطيع أن تدرك هذه اللغة فاطرق أبواباً أخرى لعلَّ الله أن يفتح لك أبواباً أخرى إذا اتقيت الله عز وجل.