الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والعشرون من اللقاءات الشهرية التي تتم في ليلة الأحد الثالث من كل شهر، إلا أن يكون هناك مانع، هذا اللقاء هو الموافق لليلة الأحد، السابع عشر من شهر جمادى الآخرة عام (1415هـ) أسأل الله تعالى أن يجعل في هذه اللقاءات بركة لنا ولإخواننا المستمعين إليها.
أيها الإخوة: إن موضوع هذا اللقاء هو الكلام على ما تبقى من خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم أصحابه إياها، ولكني رأيت أن نجعل موضوع هذا اللقاء ما الناس في حاجة إليه حتى نعود إن شاء الله تعالى في الشهر القادم إلى إكمال الكلام على خطبة الحاجة.
هذا الذي أريد أن يكون بدلاً عما نحن بصدده هو الكلام على مسح الجوارب والخفين؛ لأن الناس بدءوا يحتاجون إليه، حيث بدأ البرد يفتح علينا أبوابه.
نقول: من عقيدة أهل السنة والجماعة: جواز المسح على الخفين، بعض أهل السنة يجعلون من العقيدة اعتقاد جواز المسح على الخفين، لماذا؟ لأنه يخالفهم في ذلك بعض أهل البدع كـ الرافضة وكبعض الخوارج الذين لا يرون جواز المسح على الخفين.
فنقول: المسح على الخفين أو على الجوربين -وهما الشراب- ثابت بالقرآن وبالسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبإجماع أهل السنة، لم يختلف فيه اثنان: أما القرآن: ففي قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] .
والقراءة المشهورة بين أيدينا هي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] (أرجلَ) بالنصب، عطف على قوله (وجوهكم) فتكون الأرجل مغسولة، لكن هناك قراءة سبعية صحيحة يجوز للإنسان أن يقرأ بها ثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] بالجر، عطفاً على (رءوسكم) أي: وامسحوا بأرجلكم، فهل يعني: أنه يجوز للإنسان أن يغسل رجليه مرة ويمسح عليهما مرة؟ نقول: لولا أن السنة بينت ذلك لقلنا: نعم.
إن الآية تُجوِّز للإنسان أن يمسح رجليه أحياناً ويغسلها أحياناً، لكن السنة بينت متى يكون الغسل ومتى يكون المسح.
يكون الغسل إذا كانت الرجلان مكشوفتين، لا يمكن أن يقتصر على المسح ما دامت الرجلان مكشوفتين، والدليل على هذا: أن الصحابة كانوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر، فأرهقتهم صلاة العصر، فجعلوا يمسحون على أقدامهم، وربما يتركون بعضها، فنادى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) وهذا دليل على أنه يجب استيعاب الرجل بالغسل.
وثبت عنه ثبوتاً كالشمس في رابعة النهار المسح على الخفين حيث كانت الرجلان مستورتين.
وبناءً على ذلك: ننزل القراءتين على اختلاف حال الرجل، إن كانت مكشوفة فالواجب الغسل، وإن كانت مستورة بالجوارب أو الخفين فالواجب المسح، هذا وجه الدلالة من كتاب الله العزيز.
أما السنة: فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسح على الخفين، قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وصدق رحمه الله أنه لا شيء في قلوبنا من المسح، نؤمن بأنه حق.