الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الحادي والعشرون من اللقاءات الشهرية التي ينظمها مكتب الدعوة في عنيزة في الجامع الكبير، وقد رأينا -ولله الحمد- ولمسنا من كثير من الناس ما لهذا اللقاء من الفائدة، لو لم يكن فيه إلا أن الحاضرين يُلقون من الأسئلة ما يحتاجون إلى بيانها، وقد يكون الجواب على السؤال يحتاج إلى لقاء كامل؛ لأنه سؤال يحتاج إلى التفصيل في جوابه، وهذا ما نعد به إن شاء الله تعالى، أننا عند السؤال الذي يحتاج إلى تفصيل وجواب وبسط سوف نتخذ ذلك بعون الله.
موضوع اللقاء الذي نفتتح فيه لقاءنا هذا هو ما يتعلق بالنكاح والطلاق وما إلى ذلك، وسبق لنا في لقاء سابق الحث على تقليل المهور، وبينا أن ذلك هو السنة، وأنه سبب للبركة، وأنه سبب لقطع النزاع، وأنه سبب لكون الزوج إن رضي عن زوجته أمسكها بمعروف، وإن فارقها فارقها بإحسان.
أما الآن فإننا نتكلم عن حقوق الزوجين بعضهما مع بعض، وقد أشار الله إليه في القرآن إجمالاً، فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] أي: لهن على الرجال مثل الذي عليهن للرجال بالمعروف والعدل والاستقامة.
وهذا الذي ذكره الله عز وجل يجب على الإنسان أن يعتني به، وأن يقوم به، وألا يفرط فيه؛ لأنه توجيه من لدن حكيم خبير، ولأنه سبب للألفة ودوام للسعادة، لأن كل واحد من الزوجين يعامل الآخر بما يحب أن يعامله به، وما أكثر ما يحصل من النزاع بين الزوجين إذا ساءت العشرة، حتى إن بعض الناس يُضطر إلى أن يطلق أم أولاده من أجل كلمة واحدة نابية أو فعلٍ لا يرضاه، فيكون بمنزلة المرأة التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وأخبر أيضاً: (أن النساء يكثرن اللعن ويكفرن العشير -أي: الزوج- إذا أحسنت إلى إحداهن مدى الدهر ثم رأت سيئة واحدة، قالت: ما رأيت خيراً قط) أصبح الآن بالعكس، صار الرجال بعضهم بمنزلة النساء، إذا حصل من زوجته ما يغضبه مرة واحدة كسرها وطلقها، ثم يُندِّمه الشيطان ويأتي إلى أبواب العلماء يسأل: هل له من رجعة؟ بعد أن وقع في فخ الشيطان يأتي ويقول: هل له من رجعة؟ ولو أن الإنسان قارن بين السيئات والحسنات في الزوجة التي جعلها الله عز وجل ليسكن الإنسان إليها، وجعل بين الزوجين مودة ورحمة، لو قارن بين السيئات والحسنات، لوجد أن الحسنات أضعاف أضعاف في غالب النساء بل في أكثر النساء، فالواجب المعاشرة بالمعروف.
ثم إذا خاف الزوج نشوز امرأته وعدم قيامها بالواجب، فقد أرشد الله سبحانه وتعالى إلى ثلاثة طرق، قال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء:34] أي: ذكروهن وخوفوهن بالله، وبينوا لهن حق الزوج، فإن استقمن فذلك المطلوب، وإلا: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] أي: ليلة لا يبيت عندها في الفراش، يذهب يميناً وشمالاً أو في غرفة أخرى لعلها تتأدب؛ لأن هجرها في الفراش قد يكون أشد عليها من كل شيء، فإن حصل المطلوب فهذا هو المطلوب، وإلا: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] لكن اضربوهن ضرباً غير مبرح، ضرباً يحصل به الأدب ولا يحصل به الألم والأذى {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] أي: لا تطلبوا سبيلاً مرة أخرى فتذكروا المرأة: فعلت كذا، فعلت كذا، فعلت كذا، لا؛ إذا أطعنكم وعادت المياه إلى مجاريها، ولا يجوز للإنسان أن يذكر شيئاً مما مضى؛ لأن ذكر شيء مما مضى يجدد العداوة والبغضاء، ولهذا قال: {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء:34] اذكروا علو الله عليكم، واذكروا كبرياءه عليكم، لا تتكبروا ولا تعلوا على هؤلاء النساء المسكينات؛ لأن الله تعالى فوقكم.
ثم إن من الواجب للزوجة على زوجها: الإنفاق بالمعروف كسوة مسكن طعام شراب، يجب عليه أن ينفق عليها بالمعروف، وهذه النفقة يجب أن يبذلها بطيب نفس، وبدون منة، وبدون تكره لبذلها؛ لأنه حق واجب عليه، ومع هذا يؤجر ويثاب عليه، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها -أي: جاءك أجر- حتى ما تجعله في فم امرأتك) .
إذاً هو يؤدي واجباً عن نفسه، ويصلح ما بينه وبين أهله، ويثاب على ذلك، وقوله: (حتى ما تجعله في فم امرأتك) أي: حتى اللقمة الواحدة تجعلها في فم امرأتك تثاب على هذا، مع أن الإنفاق واجب، ومع ذلك لك فيه أجر.
فإن كان الزوج شحيحاً لا يعطيها ما يكفيها بالمعروف، وهي قائمة بواجبه، فلها أن تأخذ من ماله بغير علمه، لكن بالمعروف، أفتى بذلك إمام المفتين محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن هند بنت عتبة جاءت تشكو إليه زوجها أبا سفيان، وقالت: إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فأذن لها، سواء بعلمه أو بغير علمه؛ لأن هذا حق واجب لها.
لكن لو فرض أنها نشزت فحينئذٍ له أن يمنع ما يمنع من النفقة تأديباً لها.