ومن ذلك أن بعض الناس يتحكم في بنته كأنما هي سيارة، إن جاءت بالثمن الذي يرضاه زوجها وإلا منعها، حتى سمعنا بعض الناس يشترط شروطاً قاسية لا يستطيعها إلا القليل من الناس، يقول: أنا أزوجك بنتي على أن يكون مهر البنت خمسين ألفاً وللأم عشرة، وللأب عشرة، هذه سبعون ألف ريال، ووايت يحمل الماء للغنم، وحمالة: أي سيارة حمالية تحمل البيوت إذا انتقلنا من جهة إلى جهة، فيصبح المسكين وإذا بالمهر قد بلغ حوالي: مائتي ألف، سبحان الله! وأكثر هذا الذي يشرط يكون لغير الزوجة، مع أن المهر للزوجة ولا يجوز لأحد أن يشترط منه شيئاً، حتى الأب لا يجوز أن يشترط لنفسه شيئاً من المهر، لقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] الصدقات أي المهور، فأضاف الصدقات إلى النساء أي إلى الزوجات، وأضاف الإتيان إليهن، فلا يحل لأحد أن يشترط لنفسه منه شيئاً، هذا الباب مسدود ممنوع، وفي منعه حكمة بالغة، لأنه لو رخص للولي أن يشترط لنفسه شيئاً ولأم الزوجة شيئاً لكانت الفريسة هي الزوجة؛ لأن الضرر عليها، فتصبح وكأنها سلعة تباع بالمزاد العلني، ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كلما كان المهر أيسر كان أعظم للبركة، وهذا هو عين الحكمة.
ومن الملاحظ أن زيادة المهر توجب المشاكل بين الزوجين، كيف ذلك؟ إذا كان المهر كثيراً وهذا الزوج لم يحصل عليه إلا بالاستقراض من فلان، والاستدانة من فلان وبيع أشياء له من حاجاته، صار عبء المرأة عليه ثقيلاً، فكلما ذكر هذا المهر الذي أثقل كاهله وأشغل ذمته لحقه الغم، وبالتالي يكره الزوجة ويقول: هذه هي التي حملت ظهري ما لا يحتمل، وشغلت ذمتي فيكرهها.
ثم إذا ساءت العشرة بينهما، هل يسهل عليه أن يفارقها بلا عوض؟ كلا.
لا يسهل، فلو ساءت العشرة بينهما لم يكن من السهل أن يطلقها ويأتي بغيرها؛ لأنه خسر عليها خسارة كبيرة؛ فيؤذيها، فإذا بلغت الروح الحلقوم وبلغ السيل الزبى جاءت قضية المخالعة والمفاداة، وقالت الزوجة وأولياؤها: نحن نعطيك المهر الذي دفعت إلينا، والمهر الذي دفعه إليهم ربما يكون قد نفد، قد اشتري به حلي وثياب وهدايا، وذهب أكثره، وقد تكون الزوجة وأولياؤها فقراء، فيتحملون على ظهورهم الديون من أجل أن يفسخوا هذه المرأة من زوجها، لكن لو كان المهر يسيراً، لم يهتم الزوج ذاك الاهتمام فيما لو ساءت العشرة بينهما، ولطلقها طلاقاً عادياً.
ولهذا أهيب بإخواني في هذا البلد وفي غير هذا البلد، أن يكون لديهم العزيمة والشجاعة في تقليل المهور ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ لأن ذلك أعظم بركة في النكاح.
وإني أقص عليكم قصة جرت على يدي، عقدت عقد النكاح لرجل، فلما قرأت خطبة النكاح قلن لأبي المرأة: زوج الرجل، فقال: زوجتك بنتي على صداق ريال، فكنت أظن أن هذا مما يقوله العامة من قبل، حيث يرسل الزوج للزوجة حمل سيارة ودراهم، ثم عند العقد يقول أبو الزوجة: زوجتك بنتي على ريال، والمهر حقيقة هو حمل سيارة ومعه دراهم أيضاً، لماذا يقول العامة هكذا؟ لأن الفقهاء يقولون: يسن تسمية الصداق في العقد، وهل هذا صحيح أن الصداق هو الريال؟ لا.
المهم أن هذا الرجل قال: زوجتك بنتي على صداق ريال، فقلت له: هذا لا أصل له، الصداق ما دفعه الزوج، ولا يصح أن نقول: زوجتك بنتي على صداق ريال؛ لا قدر الله إلا الخير، لو مات الزوج مثلاً في هذه الحال لم تستحق هذه الزوجة عليه إلا ريالاً واحداً، والباقي يرد للزوج، لو طلقها قبل الدخول فلا تستحق الزوجة إلا نصف المهر أي نصف ريال، ونصف ريال يرجع للزوج وكذلك حمل السيارة يرجع إليه، فقلت: له هذا لا أصل له، قال: والله ما أخذت منه مهراً إلا هذا الريال فشكرته على ذلك، وقلت: الآن قل: زوجتك بنتي على مهر ريال.
ثم قلت له: الرجل يحتاج إلى غرفة نوم وفراش، قال هذا كله تبرع مني، فقلت: جزاك الله خيراً، هؤلاء أناس فضلاء طيبة نفوسهم، ليت الناس يسلكون هذا المسلك؛ لكن نسأل الله السلامة.
الآن كما نسمع، مهور كثيرة مشغلة للذمة، مقلقة للراحة، موجبة للغم والهم، فلو أن الناس تعاونوا في مثل هذه الأمور وصار معهم الحزم والشجاعة على أن يقللوا من المهر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، بلا وكس ولا شطط، لا شيء زائد، ولا شيء ناقص، العدل هو الخير.
ونكتفي بهذا القدر من الكلام، لأن الوقت انتهى ولنا إن شاء الله تعالى كلام يتعلق بهذا الموضوع في اللقاء القادم، ألحقنا الله وإياكم الخير، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، فإنه على كل شيء قدير.