Q فضيلة الشيخ: هل القراءة على الإنسان لإخراج الجن تعتبر من الرقية، وهل من طلبها يكون خارجاً من السبعين ألفاً، الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟
صلى الله عليه وسلم الرقية لإخراج الجن داخلة في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] وقد روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره مر بامرأة ومعها صبي لها قد أصيب بالجن، يصرعه الجن فقرأ عليه، وقال له: (اخرج عدو الله إني رسول الله) فخرج الجني وأفاق الصبي وشفي من ذلك.
وهناك أيضاً وقائع كثيرة جرت للعلماء المخلصين كالإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهما من أهل العلم.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه جيء إليه بمصروع قد أصابه الجن، فقرأ عليه فخاطبته الجنية التي في هذا الرجل، فقالت: إني أحبه.
فقال لها شيخ الإسلام: لكنه لا يحبك.
فقالت: إني أريد أن أحج به.
فقال: هو لا يريد أن يحج معكِ.
فجعل يحاورها وأبت أن تخرج، فجعل يضربها بضرب الرجل المصروع، لكن الضرب يقع في الظاهر على المصروع وهو في الحقيقة على الجنية، حتى يقول: إن يده قد تعبت من الضرب.
ثم قالت: أنا أخرج كرامة للشيخ -تعني: شيخ الإسلام ابن تيمية - فقال: لا تخرجين كرامة لي، اخرجي طاعة لله ورسوله، فخرجت فأفاق الرجل، فتعجب الرجل: قال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ قالوا: أما أحسست بالضرب الذي كلت منه يد الشيخ؟ قال: والله ما أحسست به؛ لأن الضرب كان يقع على الجنية، فخرجت ولم تعد.
فالقراءة على الذي أصابه مس من الجن تنفع بإذن الله، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتوهم ويتخيل فكلما أصابه شيء قال هذا جن، وربما لو جاءه زكام قال: هذا جن، هذا غير صحيح، والإنسان إذا تخيل الأشياء صارت حقيقة، بل الآن لو تتخيل الشيء البعيد يتحرك وهو ساكن قلت: هذا يتحرك.
الآن بعض الناس قبل أن يفرش المسجد بهذا الفرش، (كان قبل ذلك مفروشاً بمدات فيها زركشة) فجاء إليَّ أناس فقالوا: يا فلان! كيف تصلي على هذه المدات؟ قلت: وماذا فيها؟ قالوا: كلها عصافير، النقوش التي بها تخيلوا أنها عصافير، فصارت في رأيهم عصافير، ماذا نفعل؟ المهم أن الإنسان إذا تخيل شيئاً فإنه ربما يقوى هذا التخيل في نفسه حتى يكون كأنه حقيقة وهذه مشكلة، لذلك نحن نحذر من أن يتخيل الإنسان كلما أصابه شيء، قال: هذا من الجن.
ثم نأمر وندعو إخواننا أن يكثروا من الأذكار والأوراد التي تمنع من ذلك مثل قراءة آية الكرسي، إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، يعني: لو أنك قلت لإنسان: كن حارساً لي هذه الليلة من كل شيطان ظاهر أو باطن وأعطيك كذا وكذا من المال؛ أليس رخيصاً؟ بلى.
لكن هذه آية الكرسي اقرأها في ليلة قراءة مؤمن بأنها تحفظه، مصدقاً للرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك، وحينئذ يحميك الله عز وجل من كل شيطان، لا يقربك حتى تصبح، وغيرها من الأوراد، لكن الناس غفلوا عن الأوراد الشرعية، والذين يقومون بالأوراد الشرعية، ربما يقرءونها وقلوبهم غير حاضرة، ومن الناس من يقرأها وهو في شك، ولذلك كان نفعها قليلاً، لا لأنها لا تنفع؛ لكن لأن الذي قرأها لم يقرأها على الوجه المطلوب، فكثرت الأوهام من الناس وصار بعض الناس كلما أصيب قال: هذا جن.
ثم إن السائل يقول: هل إذا طلبت من أحد أن يقرأ علي، هل أخرج بذلك من السبعين ألفاً الذين قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيهم: إنهم لا يسترقون؟ نقول: نعم.
إذا كان الإنسان يطلب من أحد أن يرقيه، فإنه يفوته وصف من الأوصاف، وليس كل الأوصاف تفوته؛ فهذا وصف منها هم الذين لا يسترقون، والباقي: ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، ربما يفوت الإنسان كل الصفات الأربع، وربما يفوته صفه من هذه الصفات الأربع، وإذا أصلح الإنسان عمله، فما أوسع فضل الله عز وجل!