الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وخليل رب العالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد سمعتم كلام أخينا الشيخ: حمود بن عبد العزيز الصايغ، بأن هذه المحاضرة عوض عن اللقاء الشهري الذي تقرر ولله الحمد في هذا العام، وكل من المحاضرة واللقاء ذو فائدة عظيمة؛ لأنه يحضره من شاء الله من عباد الله، يأتون إلى هذا المكان يلتمسون العلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) والطرق التي يلتمس بها العلم، طرق للمشاة على الأرجل، وطرق للمشاة بالقلوب، أما الأول فظاهر أن يمشي الإنسان في الأسواق إلى مكان العلم في المساجد أو في المدارس أو في غيرها، وأما الثاني بأن يمشي الإنسان في طريق العلم بقراءة الكتب النافعة التي ألفها من يوثق بعلمهم ودينهم، ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من المحققين من أهل العلم، كل تلك طرق يلتمس فيها العلم، وهذه بشرى سارة أن من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.
ونحن أيها الإخوة: في هذه الأيام، والليلة هي الخامسة والعشرون من شهر ذي القعدة عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف نستقبل موسماً عظيماً ألا وهو العشر الأول من ذي الحجة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) يعني: أن العمل الصالح في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلى الله من العمل الصالح في عشر رمضان الأخيرة؛ لأن الحديث عام (ما من أيام) وأيام نكرة في سياق النفي، مؤكدة بـ (من) ، فتفيد العموم القطعي أنه لا يوجد أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر.
والقائل بهذا القول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بشريعة الله وأعلم الخلق بالله وبما يحب الله، فلا تستغرب إذا سمعت من يقول: إن العمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في عشر رمضان، لأن هذا له دليل من كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا القول الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد منا أن نفهم أن العمل الصالح في هذه الأيام أحب إلى الله من غيرها، وإنما يريد أن نفهم ونعمل، نكثر العمل الصالح في أيام العشر الأول من ذي الحجة.
والعمل الصالح متنوع: قرآن، ذكر، تسبيح، تحميد، تكبير، أمر بالمعروف، نهي عن منكر، صلاة، صدقات، بر بالوالدين، صلة للأرحام، والأعمال الصالحة لا تحصى، إذا تصدقت بدرهم في هذه العشر وتصدقت بدرهم في عشر رمضان فأيهما أحب إلى الله؟ الصدقة في عشر ذي الحجة أحب إلى الله من الصدقة في عشر رمضان (قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟) والجهاد ذروة سنام الإسلام، قال: (ولا الجهاد في سبيل الله) إلا في صورة واحدة: (إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) .
خرج بنفسه وماله الذي يجاهد عليه، كالفرس والرحل فقتل فلم يرجع بنفسه، وعقر جواده فلم يرجع بجواده، وأخذ ماله فلم يرجع بماله، هذا هو الذي يكون أفضل من العمل في العشر الأول من شهر ذي الحجة، وما عدا ذلك فالعمل الصالح فيها أحب الله من أي وقت كان.