اللقاء الشهري (صفحة 2199)

صفة العمرة

صفة العمرة أن تنويها من حين تركب السيارة من بيتك؛ حتى يكون الطريق عبادة من بيتك إلى أن ترجع، وليس معنى ذلك: أني أقول: ادخل في العمرة، بل انو أنك مسافر للعمرة، حتى لو قدر الله عليك ألا تدرك العمرة فإنه يكتب له الأجر، والدليل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100] فانو العمرة من حين تركب السيارة، فكن في سفرك مقيماً للصلاة، حسن الأخلاق، خادماً لإخوانك، قال بعضهم: [صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني] .

الله أكبر! ابن عمر الصحابي الجليل الورع الفقيه يقول الرجل: صحبته لأخدمه فكان يخدمني.

(ومن تواضع لله رفعه الله) .

فإذا وصلت إلى الميقات فاغتسل كما تغتسل للجنابة، وهذا معلوم -أي: صفة الاغتسال- ثم طيب رأسك ولحيتك، طيبها بأطيب ما تجد، وأكثر من الطيب في رأسك؛ لأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: [كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو محرم] والمفارق أي: مفرق الرأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخذ الشعر بناءً على أن هذه هي العادة في زمنه، وكان أول ما قدم المدينة يسدل رأسه إلى وراء موافقة لليهود، ثم بعد ذلك كره أن يوافقهم وصار يفرق الشعر على اليمين وعلى الشمال وعلى الخلف.

فإذا وصلت إلى الحرم -أوصلك الله إلى الخير- فادخل المسجد وقل الذكر الذي تقوله عند دخول كل مسجد، وتقدم إلى الحجر الأسود فاستلمه، امسحه بيدك وقبله إن استطعت، وإلا استلمه بيدك وقبل يدك، وإن لم تستطع فبالإشارة، يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لـ عمر: (يا عمر! إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه -أي: الحجر الأسود- وإلا فاستقبله وهلل وكبر) ثم تطوف سبعة أشواط تبتدئ من الحجر وتنتهي بالحجر، واحذر أن تدخل من باب الحِجر؛ لأنك لو دخلت من باب الحجر أنقصت الشوط.

أتدرون ما هذا الحجر؟ العوام يقولون: هذا حجر إسماعيل، إسماعيل ما يدري عنه ولا يعلم عنه ولا دفن فيه، هذا الحجر لما هدمت قريش الكعبة وأرادت أن تبنيها نقصت النفقة، ما عندهم مال، فقالوا: إذاً تقصر الكعبة، لا يبنى الجزء الشمالي منها، ولكن يحوَّط، ففعلوا، وبقيت حتى فتح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكة، سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خلقاً وخير الناس لأهله، يتحدث مع زوجاته ويحدثهن، وينبسط إليهن، حدث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يوماً من الدهر فقال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين: باباً يدخل منه الناس وباباً يخرجون منه) يعني: ولكن خشيت الفتنة أني لو هدمتها وأعدتها على ما سبق افتتن الناس؛ لأنهم حديثو عهد بكفر، فبقيت إلى عهد عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، لما تولى عبد الله بن الزبير على الحجاز هدم الكعبة؛ لأن الفتنة أمنت، وبناها على قواعد إبراهيم، وبقيت زمناً من الدهر، ثم أعيدت على ما هي عليه اليوم.

إذاً: الحجر الآن من الكعبة، ولا بد أن نطوف من ورائه، لأننا لو دخلنا من الباب لم يتم الشوط، انتبه لهذا.

ثم من نعمة الله عز وجل أن وفق هذه الحكومة -جعلها الله موفقةً دائمة- ووضعت علامة على محاذاة الحجر الأسود لما كثر الناس وكانوا لا يدركون محاذاة الحجر، فوضعت هذا الخط البني حتى يعرف الإنسان من أين يبتدئ وإلى أين ينتهي، وكنا قبل هذا نجد مشقة يقف الواحد فيشك ويقول: أنا حاذيت أو تقدمت أو تأخرت لكن من نعمة الله وتوفيقه أن الحكومة -زادها الله توفيقاً- وضعت هذا الخط، وفيه مصلحة عظيمة، فصار الناس الآن يبتدئون من الخط لا على أنه علامة شرعية مقصودة بذاتها؛ ولكن لأنه علامة على محاذاة الحجر، كما يوجد الآن بين أيديكم خطوط لتسوية الصفوف، وكما يوجد الآن لإيصال الكلام هذه الميكرفونات هل نحن نتعبد لله تعالى بوضع الميكرفون على أنه عبادة، أو على أنه وسيلة لإسماع الناس؟ الثاني، كذلك هذه الهواتف الآن تسمع من في بلاد بعيدة.

على كل حال أقول: أتمم سبعة أشواط، ثم صلِّ ركعتين خلف المقام إن تيسر ولو كنت بعيداً، المهم أن يكون المقام بينك وبين البيت، وإن لم يتيسر ففي أي مكان، ثم اعمد إلى المسعى، فاصعد على الصفا واستقبل القبلة وارفع يديك للدعاء والتهليل والتكبير، ثم انزل متجهاً إلى المروة، فإذا حاذيت العمود الأخضر فاركض بقدر ما تستطيع إذا كان المسعى واسعاً ليس فيه زحام، إلى أن تصل إلى العمود الآخر الأخضر، ثم امش على العادة حتى تصل إلى المروة وافعل عليها كما فعلت على الصفا، وهكذا حتى تتم سبعة أشواط، من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، إذاً ليس كالطواف، الطواف لا يتم الشوط حتى تصل إلى المكان الذي بدأت منه، لكن المسعى لا، والسعي في الدور الأرضي والسعي في الدور الثاني والسعي في الدور الثالث كلها مجزئة، والأفضل لك أن تكون في الدور الذي تتمكن فيه من الخشوع ويقل فيه الزحام.

فإذا أتممت السعي سبعة أشواط بعد ذلك تحلق أو تقصر، أنت بالخيار، احلق وهو أفضل، أو قصر، والمرأة تقصر، وبذلك انتهت العمرة، فمن أراد أن يرجع إلى بلده رجع في الحال، ومن أقام في مكة فليقم، ولكن إذا أراد أن يرجع إلى بلده فليطف طواف الوداع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015