اللقاء الشهري (صفحة 1973)

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ)

(يا أيها الذين آمنوا) اسمع الخطاب والنداء من أين صدر؟ صدر من عند الله عز وجل، إلى الذين آمنوا، وما أطيب هذا الوصف الذي يصفك الله به أيها المؤمن! فإذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) مكرماً لك، رافعاً لشأنك، فانتبه، ما هذا النداء؟ وماذا يريد المنادي منا؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك، فإما خيرٌ تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه] .

أرعوا أسماعكم لهذا الخطاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] والنداء للصلاة يكون بالأذان المعروف، وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناس ليس لهم دولة إسلامية، فأنشأ الدولة الإسلامية من حين هاجر، وصاروا يجتمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلوا معه، وليس ثمة نداء، فتشاوروا فيما بينهم: كيف نجمع الناس على الصلاة؟ فقال بعضهم: اضربوا ناقوساً.

وقد كان النصارى يضربونه عند الصلاة في الكنيسة، والناقوس مثل الجرس الكبير.

وقال بعضهم: نجعل بوقاً ينفخ فيه ويكون له صوت عالي حتى يحضر الناس.

واقترح آخرون: أن توقد نار عظيمة يشعر بها أهل البلد ويعرفون أن الوقت قد دخل.

فهذه اقتراحات ثلاثة، كلها رفضت الناقوس للنصارى، والبوق لليهود، والنار للمجوس، كل هذه لم يوافقوا عليها، فهداهم الله عز وجل للحق، فرأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه في المنام أثناء المشاورات رجلاً بيده بوق، فقال له: أتبيعني هذا؟ قال: نعم، لكن ماذا تصنع به؟ قال: أنادي به للصلاة، قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: بلى، فأذن الأذان كله في المنام، فلما أصبح غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بأنه رأى كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق -أثبتها النبي عليه الصلاة والسلام، والحق ضده الباطل- ولكن اذهب إلى بلال فإنه أندى صوتاً منك فعلمه الأذان ينادي به بالناس.

فما أن سمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا جاء مسرعاً يقول: والله يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى) إذاً: هذه رؤيا صدقها النبي صلى الله عليه وسلم وحكم بأنها حق، ثم أيدت بشهادة رجل آخر وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن ثم ثبت الأذان في السنة الثانية من الهجرة إلى يوم القيامة، ونسأل الله تعالى ألا يقطعه وألا يقطعنا من سماعه، هذا الأذان بقي إلى يومنا هذا.

في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك أذانان لصلاة الجمعة بل أذان واحد، فإذا جاء الخطيب وسلم على الناس وجلس على المنبر أذن المؤذن، ولما كثر الناس في زمن عثمان رضي الله عنه واتسعت المدينة زاد عثمان رضي الله عنه أذاناً ثالثاً الأذان الأول والثاني والإقامة ثلاثة، فصار يؤذن للجمعة مرتين: مرة سابقة على مجيء الإمام، ومرة عند مجيء الإمام، ولم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا الثاني الذي يكون عند حضور الإمام.

وقد ادعت حادثة حديثة من الشباب: أن الأذان الأول للجمعة بدعة.

سفهاء الأحلام، قالوا: إنه بدعة؛ لأنه لم يكن في عهد الرسول.

سبحان الله! الرسول نعم لم يفعله إلا أنه سنَّه، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وعثمان رضي الله عنه منهم بإجماع المسلمين، فيكون اتباع عثمان في ذلك بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، والسبب الذي من أجله زاد عثمان هذا الأذان لم يكن موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يقال: إنه وجد في عهده ولم يفعله، فإحداثه بعده بدعة.

ثم نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم سنَّ أذاناً لغير وقت الصلاة في غير الجمعة، وذلك في رمضان، فقد كان في رمضان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان: أولهما بلال والثاني عبد الله بن أم مكتوم، وكان بلال رضي الله يؤذن قبل الفجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) .

إذاً: هذا أذان قبل الصلاة لغرض لا يتعلق بالصلاة وإنما يتعلق بالسحور، فكيف بأذان الجمعة الذي تعلق بنفس الصلاة حتى يأتي الناس إليها مبكرين.

إذاً فالأذان الأول للجمعة مشروع والحمد لله، والمراد بالآية الكريمة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] المراد بها الأذان الثاني الذي يكون عند حضور الإمام، والمنادي (إذا نودي للصلاة) غير معلوم، لم يسم في الآية، لكنه معلوم بالعمل، فالمؤذن للجمعة هو المؤذن لبقية الصلوات الخمس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015