الصفة الثالثة: قوله: {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] والزنا: وطء الفرج الحرام والعياذ بالله، فمن جامع امرأة بغير عقد نكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فهذا هو الزنا، وهو من كبائر الذنوب وعظائمها، وقد سماه الله تعالى فاحشة فقال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وعقوبته الرجم أو الجلد مع التغريب.
الرجم إذا كان الزاني محصناً، والمحصن هو: الذي تزوج بنكاح صحيح وجامع زوجته وهو بالغ عاقل حر.
وانظر إلى الشروط: تزوج بنكاح صحيح، وجامع زوجته، وهما -أي: الزوج والزوجة- بالغان، عاقلان، حران، أي: غير مملوكين، فإذا تمت هذه الشروط الخمسة فهو محصن، فإذا زنى بعد ذلك وجب رجمه بالحجارة، بمعنى: أن يقف للناس ويرموه بالحجارة، وتكون الحجارة وسط لا صغيرة ولا كبيرة، ولا يتقصدون المقاتِل؛ لأنهم إذا تقصدوا المقاتِل قضوا عليه بسرعة، والحكم الشرعي يريد أن يتألم جميع بدنه الذي تلذذ بوطء الحرام.
هكذا حد الزاني إذا كان محصناً، ثم إذا تم رجمه ومات فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة ويدفن مع المسلمين؛ لأنه مسلم، وهذا الحد يكون كفارة له، فلا يعذب يوم القيامة على زناه؛ لأنه عذب في الدنيا.
مسألة: قد يقول قائل: لماذا لا نقتله بالسيف؛ لأنه أقرب وأسرع في الإجهاز عليه؟ نقول: لا، نقتله بالرمي بالحجارة، هكذا جاءت السنة، وهذا الرجم ثابت في الشريعة المحمدية وكذلك في شريعة اليهود، لأنه تطهير للناس، وردعٌ لهم عن هذه الفاحشة.
أما إذا كان الزاني غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة بحضور طائفة من المؤمنين، ويغرب عن الوطن الذي وقع فيه الزنا لمدة سنة، ولكن لا يغرب إلى بلاد يتمكن فيها من الزنا؛ لأنه إنما يغرب إبعاداً له عن مكان الزنا.
وغير المحصن هو من اختل فيه شرط من شروط الإحصان التي سمعتموها.
ولا بد أن يكون الزاني عالماً بالتحريم، فإن لم يكن عالماً بالتحريم فإنه لا يحد، لكن لو علم بالتحريم ولم يعلم بالحد فإنه يحد؛ لأنه ليس من شرط الحد، أن يكون المجرم عالماً به، كما أن الإنسان لو جامع زوجته في نهار رمضان في بلده فإنه يجب عليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، لكن لو قال هذا الرجل: إنه لم يعلم بأن هذه هي الكفارة ولو علم لما فعل، قلنا: لا يمنع هذا من وجوب الكفارة؛ لأن الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله كان لا يدري ما عليه من الكفارة، فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بها.
قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:68] (ذلك) المشار إليه ما سبق: الشرك، وقتل النفس والزنا.
{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:69] نسأل الله العافية! ولا شك أنه من يشرك بالله شركاً أكبر فإنه مخلدٌ في نار جهنم والجنة حرام عليه، وكذلك قتل النفس إن استحل قتلها وهو يعلم أنها محرمة، أي: نفس محرمة محترمة، فهو كافر فيخلد في النار؛ لأنه استحل ما حرمه الله عز وجل وهو يعلم أنه حرام، أما إن لم يستحل القتل فهو ذنب من الذنوب العظيمة، والزنا إذا استحله صار كافراً مخلداً في النار، وإن فعله لغلبة الشهوة عليه فإنه من كبائر الذنوب ولكن لا يخلد في النار.