ما هي المفطرات؟ المفطرات: الأكل والشرب والجماع هذه ذُكرت في آية واحدة: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] ما هذا؟ الجماع {بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] : أي النساء {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة:187] هذا الأكل والشرب {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} [البقرة:187] قال: {يَتَبَيَّنَ لَكُمْ} [البقرة:187] ولم يقل: حتى يطلع، فلو فرض أننا شككنا: هل طلع الفجر أم لم يطلع فهل لنا أن نأكل ونشرب؟ نعم نأكل ونشرب.
لو تبين بعد ذلك أن الفجر قد طلع، هل علينا القضاء؟ ليس علينا قضاء، لماذا؟ لأن الله قد أذن لنا أن نأكل ونشرب حتى يتبين، ونحن الآن ننظر إلى الأفق ونحن في شك، شخص يقول: طلع الفجر وآخر يقول: ما طلع الفجر، فيجوز لنا أن نأكل ما دمنا شاكين، وإذا تبين أن الفجر قد طلع قبل أكلنا فلا قضاء علينا سبحان الله! نأكل بالنهار ولا قضاء علينا! نقول: نحن حين أكلنا نعتقد أننا في الليل وقد أذن الله لنا {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ} [البقرة:187] .
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) يطلع الفجر ثم يؤذن، ولهذا رخص للإنسان إذا سمع الأذان والإناء في يده - لبناً أو ماءً- أن يشرب حتى يقضي نهمته منه، وهذا من التيسير.
إذاً هذه المفطرات الثلاث هي: الجماع والأكل والشرب، ودليلها قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] .
الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو الذي يغني عن الأكل والشرب مثل الإبر المغذية، الإبر المغذية مفطرة للصائم؛ لأنها تعطي البدن ما يعطيه الأكل والشرب، والله تعالى إنما حرم الأكل والشرب، وما كان بمعناهما فلها حكمهما؛ لأن الشريعة لا تفرق بين متماثلين.
الإبر الأخرى التي تؤخذ في الوريد كإبر السكر وإبر البنج وإبر تخفيف الألم وما أشبهها، هل تفطر؟ نقول: لا تفطر، فإذا قال إنسان: إنها مفطرة لأنها تصل إلى داخل الجوف، أو إلى داخل البدن أو تختلط بالدم، قلنا: بيننا وبينك كتاب الله ائت بحرف واحد يدل على أن مثل هذا مفطر وعلى العين والرأس، أما أن الله يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة:187] وأنت تقول: كل ما وصل إلى الدم أو إلى الجسم فهو مفطر، من قال هذا؟ أتضيق على عباد الله ما وسع لهم؟! الإبر التي بمعنى الأكل والشرب نقول: إنها مفطرة؛ لأنها تغني عن الأكل والشرب فهي بمعناه.
ومع ذلك يا إخواني نقول: إنها مفطرة؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، ونحن خائفون من الله أن نضيق على عباد الله؛ لأنه قد يقول قائل: القياس هنا قياس مع الفارق، كيف قياس مع الفارق؟ الأكل والشرب هل الإنسان يتمتع به بمجرد كونه غذاءً أو يتمتع به أولاً وقبل كل شيء لكونه مطعوماً لذيذاً؟ الثاني.
فمن الجائز أن تكون العلة في إفطار الأكل والشرب هي التلذذ به أكلاً وشرباً ثم تغذية البدن به ثانياً.
والتلذذ بالإبر المغذية مفقود، ولهذا نجد المريض الذي يغذى بهذه الإبر أشوق ما يكون إلى الأكل والشرب، وإذا رخص له في الأكل والشرب تجده يأكل القدر كله؛ لأنه مشتاق إليه تماماً.
إذاً: فلو أن أحداً من الناس عارضنا وقال: قياسكم ممنوع لظهور الفارق، أظن أن نقف مكتوفي الأيدي لا نستطيع أن نرد عليه، ولهذا نحن نقول: إن الإبر المغذية مفطرة ونحن على وجل وخوف، ولكن يسهل علينا هذا القول أن الغالب أن الإنسان لا يحتاج إلى إبر مغذية إلا وهو مريض، والمريض يحل له الفطر، فنقول: استعملها وأفطر واقض يوماً بدله.
الخامس: نزول المني بشهوة بفعل من الصائم، ثلاثة شروط: نزول المذي هل يفطر؟ المذي ولو كان بشهوة أو بفعل من الصائم لا يفطر، فلو أن الرجل قبل زوجته وأمذى فصيامه صحيح.
قولنا: بشهوة لو نزل بغير شهوة -أحياناً يصاب الإنسان بمرض فينزل المني بدون شهوة- فإنه لا يفطر.
الثالث: بفعل الصائم، مثل: أن يباشر زوجته بالضم أو الإيلاج بين الفخذين أو ما أشبه ذلك فينزل، هذا بفعله.
أو يستمني والاستمناء حرام في الصيام وغير الصيام، فإذا أنزل؛ فسد صومه، فإن كان بغير فعل منه مثل أن فكر رجل وهو صائم في الجماع فنزل منه المني بشهوة فهل يفسد صومه؟ لا يفسد صومه، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وهذا الرجل حدث نفسه ولم يعمل شيئاً، ما حرك ذكره ولا ضم الأرض ولا ضم شيئاً ولا استمنى، إنما فكر فأنزل، نقول: صومه صحيح.
السادس: القيء عمداً، إذا استقاء الإنسان عمداً فسد صومه، فإن غلبه القيء بأن هاجت عليه معدته حتى خرج ما فيها فصومه صحيح.
أين ورد في القرآن أن القيء مفطر؟ نقول: نعم، في القرآن موجود أن القيء مفطر: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من ذرعه القيء -أي: غلبه- فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض) .
Q لو هاجت معدته فهل يلزمه أن يمسكها أو يدعها؟ يدعها؛ لأنه لو أمسكها مع هيجانها وتهيئها للخروج كان في ذلك ضرر، لكن هل يجذبها؟ لأن بعض الناس إذا هاجت معدته جذبها لأجل أن يستقيء؟ نقول: لا، فإذا هاجت فقف منها موقف السلب، لا تجذبها ولا تمنعها ولا تضرك.
السابع: خروج الدم بالحجامة، ما هي الحجامة؟ أي: إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإن صومه يفسد ويفطر بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) أفطر، أي: فسد صومه، لأن الصوم ضده الفطر، وفي معنى الحجامة الفصد والشرط.
والفرق بينهما أن الفصد قطع العرق عرضاً والشرط قطعه طولاً، فإذا حصل فصد أو شرط وخرج دم كدم الحجامة، فإنه يفطر بذلك وسمعتم الدليل.
الثامن: خروج دم الحيض والنفاس، وهذا خاص بالمرأة، فإذا خرج من المرأة دم حيض أو نفاس ولو قبل الغروب بلحظة فسد صومها.
وإن أحست به ولكن لم يخرج إلا بعد غروب الشمس ولو بلحظة فصومها صحيح، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحائض: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وعرفتم أن صوم الحائض لا يصح بالإجماع، فإذا حاضت في أثناء النهار فسد صومها، ولزم عليها القضاء.
هذه هي المفطرات التي تفسد الصيام.
هل النظر بشهوة مفسد للصوم؟ ليس مفسداً؛ لأنه ليس من هذه الثمانية.
التقبيل: قبَّل رجل امرأته بشهوة فهل ذلك مفطر أم غير مفطر؟ غير مفطر ولا ناقض للوضوء أيضاً.
هذه المفطرات يشترط لكونها مفسدة للصوم ثلاثة شروط: 1- العلم.
2- الذكر.
3- الإرادة والاختيار.
- العلم ضده الجهل.
- الذكر ضده النسيان.
- الاختيار ضده الإكراه وغير الإرادة.
فإذا أتى الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصومه صحيح، وإن أتى واحداً من هذه المفطرات ناسياً فصومه صحيح، وإن أتى واحداً من هذه المفطرات غير مريد فصومه صحيح، ما هو الدليل؟ قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: فد فعلت.
وقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ثم إن الخطأ والنسيان ورد فيهما نصوص خاصة.
مثال الخطأ: روى البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم طلعت الشمس) إفطارهم هنا كان جهلاً، لو علموا أن الشمس لم تغرب ما أفطروا.
هل أمروا بالقضاء؟ لا.
لأنه لو وجب عليهم القضاء لأمروا به، ولو أمروا به لنقل إلينا، لأنه إذا أمر به كان من الدين، والدين لا بد أن ينقل إلى الأمة لا سيما في هذه الأمور الكبيرة.
ومثال النسيان: في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) هذا نص.
الشرط الثالث: الاختيار والإرادة، والدليل على اعتبار هذا الشرط قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ} [النحل:106] فإذا كان الكفر وهو أعظم المعاصي يرفع حكمه الإكراه فما دونه من بابٍ أولى.
وإذا كان الإنسان لو كفر وهو مكره لم يخرج من الإسلام ولا إثم عليه، فلو أكل أو شرب وهو مكره لم يخرج من الصيام وليس عليه إثم.