اعلموا -أيها الإخوة- أن هذه المفطرات السبعة لا تفطر إلا بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون عالماً.
الثاني: أن يكون ذاكراً.
الثالث: أن يكون عامداً.
فضد العلم الجهل، والجهل نوعان: إما جهل بالحكم الشرعي، وإما جهل بالوقت، وكلاهما إذا حصل فلا إثم على الصائم ولا قضاء ولا كفارة، فإذا كان جاهلاً بالحكم الشرعي، كرجل استمنى -مثلاً- وهو لا يدري أن الاستمناء حرام في الصيام، فنقول: لا يفسد صومه.
رجل استقاء عمداً، وهو لا يدري أنه يفسد الصوم، فنقول: صومه صحيح.
رجل أكل وشرب يظن أنه في الليل وإذا هو بعد الفجر، فصومه صحيح.
رجل كان في غيم وليس معه ساعة، فظن أن الشمس غربت فأفطر، وإذا بالشمس تخرج من وراء الغيم، فنقول: صومه صحيح لأنه جاهل بالوقت.
رجل سمع في الراديو مؤذناً فظنه مؤذن الحي فأفطر، وإذا بمؤذن الحي يؤذن بعد ذلك، فصومه صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت.
قد يقول قائل: ما هو الدليل على أنه يصح الصوم مع الجهل، والله تعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ؟ قلنا: عندنا أدلة: أولاً: قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله قد فعلت.
لا أؤاخذكم إذا نسيتم أو أخطأتم، والخطأ الجهل.
ثانياً: عدي بن حاتم رضي الله عنه قرأ قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فأتى بعقالين، والعقال هو الذي تقيد به البعير، واحد أسود وواحد أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل ويشرب والنور في السماء ساطع، لكن إلى الآن لم يتبين العقال الأسود من الأبيض، فلما تبين العقال الأسود من الأبيض أمسك فهم من الآية أن المراد بالخيط الأبيض هو الحبل الأبيض، والخيط الأسود الحبل الأسود، إذاً: هو جهل معنى الآية، فلما أصبح أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له: (إن وسادك لعريض) ، أي: أن وسع الخيط الأبيض والأسود؛ لأن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فإذا كان الخيط الأبيض والأسود تحت الوسادة فإنها سوف تكون عريضة عرض الأفق، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أنه بياض النهار وسواد الليل ولم يأمره بقضاء الصوم؛ لأنه كان جاهلاً بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية.
كذلك الجهل بالوقت روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم كانوا في يوم غيم فأفطروا، ثم طلعت الشمس؛ لأنه ليس عندهم ساعات، ولا يعرفون الوقت إلا بالشمس، ولعل الغيم كان شديداً متكاثفاً، المهم أنهم أفطروا ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا، لأنه إذا أمر به كان من الشريعة والشريعة لا بد أن تنقل إلينا تامة.
تبين الآن أنه لابد أن يكون عالماً، فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه.
كذلك إذا أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام في نفس المسألة: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) ، اللهم لك الحمد، (فليتم صومه) إشارة إلى أن الصوم لم يحصل فيه نقص ولا فساد، ثم بين الحكمة والسبب فقال: (إنما أطعمه الله وسقاه) ، لأنه لم يتعمد.
يقولون: الشيء بالشيء يذكر قال أحد التلاميذ وهو في قاعة الاختبار: إنه يكتب الجواب فسمع شخصاً يعلِّم تلميذاً إلى جانبه بالجواب، يسأل هذا التلميذ ويقول: هل يجوز أن أكتب الجواب وأنا سمعته؟ نعيد
Q تلميذ على الماسة يكتب الجواب ولا يريد الغش بأي حال من الأحوال، لكنه سمع شخصاً يقول لجاره: الجواب كذا وكذا، والجواب صحيح، فهل يجوز أن ينقل الجواب أم لا يجوز؟ نقول: إنما علمه الله، هذا رزق جاء بدون تعب، فلا حرج أن يكتب الجواب، حتى لو فرض أنه لم يكن يعرفه فيكتبه؛ لأنه ما حاول الغش ولا غش.
بقي علينا من الشروط شرط ثالث: أن يكون عامداً، إذا لم يكن عامداً فلا شيء عليه، دليل ذلك قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ، فإذا لم يتعمد فلا شيء عليه، وله أمثلة: إنسان يستنشق في الوضوء فنزل الماء من خياشيمه إلى معدته، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد.
كذلك إنسان يتمضمض فنزل الماء إلى بطنه، فلا يفطر؛ لأنه غير متعمد، والله عز وجل يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] .
إذاً: هذه الشروط الثلاثة لا بد من مراعاتها حتى لا يفسد الإنسان عبادة عباد الله وهي غير فاسدة، وكما لا يجوز لنا أن نتساهل لا يجوز أن نشدد، بعض الناس يقول: شدد لا تفتح للناس ويقول: ناسي هذا غير صحيح، كما لا يجوز لنا أن نتساهل فيما أوجب الله لا يجوز لنا أن نتشدد، دين الله بين الغالي فيه والجافي عنه.
هذا ما يتعلق بالصيام، وأرجو الله تعالى أن ينفعني وإياكم به.