الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن لقاءنا هذه الليلة الأحد السابع عشر من شهر رجب عام (1413هـ) يصادف استقبال الإجازة الربيعية، وكنا بصدد أن نتكلم على تفسير سورة (ق والقرآن المجيد) كما وعدنا بذلك، ولكن نظراً إلى أن هذه الإجازة تحتاج إلى كلام يبين عمل الناس فيها، ماذا يعملون؟ أيبقون في بلدانهم أم يسافرون وإذا سافروا فهل يسافرون إلى خارج البلاد أم إلى داخل البلاد أم ماذا؟ المسألة تحتاج في الواقع إلى نظر وتأمل وإلى توجيه، نقول: أولاً: ليس في العمر إجازة، فالعمر كله عمل ولا إجازة إلا بالموت؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاطعاً للعمل إلا هذا الشيء الواحد وهو الموت.
إذاً: لا بد أن يعمل الإنسان دائماً وأبداً، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
إذاً: كل الدنيا عمل، إذا فرغنا من الدراسة النظامية فلا بد أن نعمل عملاً آخر، ما هذا العمل؟ يجب أن يكون هذا العمل من ثمرات هذه الدراسة وخصوصاً للشباب والطلبة المعنيين بما تحملوه من العلم؛ لأن الله إذا منَّ عليك بالعلم فلا تظن أن المسألة دسم على خبز وانتهى الأمر! المسألة مسألة عظيمة تحمل وتحميل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] هل أحد منا يشعر بأنه جرى بينه وبين الله عهد وميثاق حين تعلم العلم؟
صلى الله عليه وسلم لا نشعر بذلك لا في زمانه ولا في مكانه، لا نشعر بأننا عاهدنا الله في المكان الفلاني أو في الوقت الفلاني على أن نبين ذلك، ولكن مجرد ما يؤتي الله الإنسان العلم فهذا هو العهد.
لماذا أعطاك الله العلم وحرمه غيرك؟ من أجل أن تقوم به، تبينه للناس بالقول وهو التعليم، وبالفعل وهو المنهج والهدي؛ لأن العلماء عليهم مسئوليتان: المسئولية الأولى: التعليم بالقول وسواء كان عن طريق اللسان أو عن طريق الكتابة.
المسئولية الثانية: التعلم بالمنهج والسيرة، فكم من عالم اقتدى الناس بعمله ومنهجه وسيرته أكثر مما يقتدون بتعليمه وقوله، وهذا مشاهد.
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون الناس كيف يتوضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، يعلمونهم بالقول ويعلمونهم بالفعل، حتى الخلفاء منهم، عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بإناء من ماء وجاء ليتوضأ أمام الناس من أجل أن يهتدوا بهديه، وقال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) .
إذاً: علينا نحن الذين وهبنا الله العلم من شباب وكهول وشيوخ أن نبينه للناس بالقول وبالعمل.