هنا مسألة خارجة عن النسك: هل يلزم الإنسان إذا حج أن يذهب إلى المدينة أو لا يلزم؟ لا يلزم، ولا علاقة لزيارة المدينة بالحج إطلاقاً، هذا شيء وهذا شيء، زيارة المدينة في أي وقت.
ولتعلم أنك إذا زرت المدينة فإنما تقصد المسجد النبوي لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) لكن من المعلوم أن الإنسان إذا ذهب وصلى في المسجد النبوي أنه سوف يزور النبي عليه الصلاة والسلام، فيسلم عليه، ويجعل وجهه إلى القبر الشريف وظهره إلى القبلة، ويسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، فإن قال قائل: ما هو أفضل سلام على الرسول؟ قلنا: أفضل سلام على الرسول ما علمناه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث علمنا أن نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
هذا أفضل سلام، ولا حاجة أن نطول ونسجع: السلام عليك يا من بالمؤمنين رءوف رحيم، السلام عليك يا خيرة خلق الله، وما أشبه ذلك، كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم يقول: [السلام عليك يا رسول الله] وابن عمر من هو؟ صحابي من أجل الصحابة، لكن لا بأس أن تسلم بما علم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد -إذا زدت هذا فلا بأس- اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ثم بعد ذلك تخطو عن اليمين خطوةً واحدة لتسلم على أبي بكر رضي الله عنه، تقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله! رضي الله عنك، وجزاك عن أمة محمد خيراً، وتقول كذلك بالنسبة لـ عمر رضي الله عنه، وتنتهي.
وإذا شئت أن تخرج إلى مسجد قباء بعد أن تتطهر في بيتك وتصلي فيه ركعتين في غير وقت النهي فهذا حسن؛ لأن من تطهر في بيته وخرج وصلى في قباء ركعتين كان كعمرة، وتسلم -أيضاً- على أهل البقيع وفيهم عثمان رضي الله عنه الخليفة الثالث للمسلمين، تسلم عليهم بما كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
كم زرنا من القبور الآن؟ قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقبر صاحبيه، والبقيع، كذلك تخرج إلى أحد لتسلم على الشهداء هناك، وأجلهم حمزة بن عبد المطلب، تسلم عليهم بما يسلم به الرسول عليه الصلاة والسلام على أهل القبور.
ولا يجوز أبداً أن يعتقد الإنسان أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينفعه أو يضره، أو ينجيه من الشدة أبداً؛ لأن ذلك لله عز وجل وحده، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يوصي ابن عباس: (اعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) وأمر الله نبيه أن يقول علناً: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} [الجن:21] ما أملكه، لا أقدر أضركم ولا أقدر أرشدكم، وأمره أن يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188] ، وقال الله له: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} [الأنعام:50] فأعطيكم منها {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] حتى إن أصحابه رضي الله عنهم يغيبون عنه قريباً ولا يعلم، قال أبو هريرة: (كنت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بعض طرق المدينة، وكان رضي الله عنه على جنابة، فانخنس -يعني: ذهب بخفية- واغتسل ثم جاء، فقال: أين كنت؟ -الذي يقول: أين كنت يعلم أو لا يعلم؟ لا يعلم- أين كنت؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) .
يدخل بيته أحياناً ولا يعلم ما الذي فيه، دخل يوماً البيت وطلب طعاماً، وتعذروا منه فقال لهم: (ألم أر البرمة على النار؟) -وهو لا يعلم ما الذي فيها- قالوا: بلى، لكن هذا لحم تصدق به على بريرة - بريرة أمة اشترتها عائشة وأعتقتها، وبقيت عند عائشة تخدم- قالوا: هذا لحم تصدق بها على بريرة، هل كان يعلم؟ ما كان يعلم، يرى البرمة على النار لكن لا يعلم ما الذي فيها.
فقال عليه الصلاة والسلام: (هو عليها صدقة ولنا هدية) وإنما قالوا: إنه لحم تصدق بها عليها؛ لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خصائصه: أنه لا يأكل الصدقة، ومن باب أولى ألا يأكل الزكاة، أما أهل البيت فلا يأكلون الزكاة ويأكلون الصدقة، الصدقة تعتبر حلال لأهل البيت لكن الزكاة حرام عليهم.
أسأل الله لي ولكم الإخلاص في العمل، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأسأله تعالى أن يحشرنا في زمرته وأن يسقينا من حوضه، وأن يدخلنا في شفاعته، وأن يجمعنا به في جنات النعيم.