هذه الآية كما ترون وردت في شيء محسوس، فكل يعرف العدل فيه والجور وهو الكيل والوزن، لكن هل هي خاصة بالكيل والوزن أم هي عامة في جميع الحقوق؟
صلى الله عليه وسلم في جميع الحقوق، وإنما ذكر الله الكيل والوزن لأنه معروف، كل الباعة الذين يبيعون ويشترون يعرفون الكيل والوزن، لكنها عامة في كل الحقوق.
ولننظر: رجل استأجر أجيراً، فاستوفى الحق منه تاماً لكنه لم يعطه الأجرة كاملة، هل يكون مثل الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟ الجواب: نعم.
ولا فرق.
ومن هذا الرجل يكون موظفاً، ويطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يوف الوظيفة حقها، يتأخر في المجيء، أو يتقدم في الخروج، أو يتلهى عن الشغل بما لا مصلحة للشغل فيه.
التقصير الآن في الموظف من وجوه ثلاثة: إما أن يتأخر في المجيء، وإما أن يتقدم في الخروج، وإما أن يتلهى في حال الدوام بما لا مصلحة للعمل فيه، يعني: هو يأتي مبكر، أو من أول الناس ويخرج من آخر الناس لكن يتلهى عن العمل بما لا مصلحة للعمل فيه ويطلب الراتب كاملاً، هل يدخل في الآية؟ نعم؛ لأنه يطلب حقه كاملاً ولكنه لا يعطي الحق الذي عليه كاملاً.
ومن هذا التعامل بين الزوجين، رسم الله تبارك وتعالى له خطة عادلة من أحسن بل هي أحسن الخطط قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] عاشروهن، المعاشرة مفاعلة من الطرفين، عاشروهن: أي ليعاشر كل واحد منكم الآخر بالمعروف، وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] .
المعاشرة بين الزوجين: بعض الرجال يريد من الزوجة أن تعطيه حقه كاملاً وهو قد بخسها حقها، إن طلبت النفقة ماطل بها أو منعها، وإن طلبت الذهاب إلى أهلها أو إلى أقاربها أو إلى صاحباتها بالمعروف قال: لا، وهو يريد منها أن تعطيه حقه كاملاً، هذا نقول: إنك داخل في الآية: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] .
الحقوق بين الأصحاب أيضاً يدخل فيها التطفيف، بعض الناس يريد من صاحبه أن يكون له مثل العسل، لكنه يعامل صاحبه بما هو مر كالحنظل، هل هذا تطفيف أو عدل؟ تطفيف، إذا كنت تريد أن يعاملك صاحبك بالمعاملة الطيبة فعامله أيضاً بالمعاملة الطيبة؛ لأن له حقاً عليك ولك حق عليه، أما أن تريد أن يعاملك المعاملة الطيبة وأنت لا تعامله كذلك فإن هذا من التطفيف.