الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فنحن في هذه الليلة نلتقي بإخواننا اللقاء المعتاد الشهري الذي يتم ليلة الأحد الثالث من كل شهر، وهذا هو شهر جمادى الآخرة من عام ثمانية عشر وأربعمائة وألف، نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم أن ينفعنا بملاقاتنا بإخواننا، وأن يجعل أيامنا سعيدة وآخرتنا أسعد وأسعد إنه على كل شيء قدير.
لا أجد شيئاً أتحدث عنه إلا ما يسره الله عز وجل من تفسير السورة التي قرأناها في صلاة العشاء هذه الليلة، لأنني أود من إخواننا جميعاً أن يعتنوا بكتاب الله حفظاً وتدبراً وفهماً وعملاً؛ لأن هذا القرآن الكريم هو الذي به عزة الأمة الإسلامية وبه نجاتها وسعادتها، وقد قال الله عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقال عز وجل: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون:68] وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ، وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] .
علينا -أيها الإخوة- أن نقرأ القرآن فنتقنه لفظاً، وأن نقرأ القرآن فنتدبره معنى، وأن نقرأ القرآن فنعمل به حكماً، هكذا يريد الله تبارك وتعالى منا، لا يريد منا أن نقرأ القرآن مجرد قراءة لفظ؛ لأن مجرد قراءة اللفظ بدون تدبر للمعنى لا فرق بينها وبين رجل أمي لا يقرأ، والدليل على هذا قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة، فوصف الله هؤلاء القوم بأنهم أميون، كالذي لا يقرأ تماماً.
أي فرق بين إنسان يقرأ القرآن ولا يدري ما معناه وإنسان لا يقرأ؟ لا يفترق هذا عن هذا من حيث المعنى، لكن نعم الذي يقرأ القرآن يكون له أجر القراءة ولا إشكال، لكن من حيث المعنى والانتفاع بالقرآن لا فرق بين الأمي وبين الذي يقرأ القرآن بلا تدبر.
بناءً على ذلك: أحث إخواننا أن يتدبروا كلام الله عز وجل، ولا سيما المفصل، الذي يبدأ من (ق) إلى آخر القرآن، لأن هذا المفصل هو الذي يقرأ في الصلوات الخمس، يعني: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، لكن الظهر والعصر القراءة فيهما سر، والمغرب والعشاء والفجر القراءة فيهن جهر.
في هذه السورة التي قرأناها هذه الليلة قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] ويل: ترد في القرآن كثيراً، فما معنى هذه الكلمة؟ قيل: إنها اسم واد في جهنم، وعلى هذا فتكون اسماً لشيء محسوس، وقيل: إنها كلمة وعيد، فمعنى ويل: أي وعيد شديد لهؤلاء، في القرآن: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:15] {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79] والكلمة هذه ترد كثيراً في القرآن الكريم، ومعناها على القول الراجح: أنها كلمة وعيد يتوعد الله تبارك وتعالى بها من أسندت إليه.