كذلك أوصي طلبة العلم بأمر آخر: وهو الصبر، الصبر على ماذا؟ الصبر أولاً على العلم، بالمثابرة والمتابعة وتقييد فرائد الفوائد التي تمر بك وتقول في نفسك: هذه فهمتها وحفظتها، لكن سرعان ما تنساها، قيد الفوائد ولا سيما القواعد والأصول حتى تبقى معك، لا تفرط فيها أبداً، لا تعتمد على نفسك حين سماعها لأنك تسمعها وفي هذه الحال تقول: هذه ما تنمحي من ذهني، ولكن سرعان ما تنمحي، فقيد.
وكان طلبة العلم الذي سبقونا في الطلب كان الواحد معه دفتر في جيبه كلما عن له شيء قيده، لأن الإنسان أحياناً يتدبر ويفكر في آية أو حديث أو كلام للعلماء ثم يتبين له فوائد عظيمة جداً، وإذا لم يقيدها طارت ولم يستفد؛ لذلك أوصيكم بالصبر في طلب العلم، والمثابرة والتقييد، واعلم أن تقييد العلم من أسباب الحفظ، كنا في زمن الطلب إذا أردنا أن نحفظ شيئاً كتبناه، الكتابة لا شك أنها تعين على الحفظ، وأن كتابة واحدة تغني عن تردادها عشرين مرة، فاصبر على طلب العلم، لا تمل، لا تقل ما حصلت.
عندنا أناس أتوا إلى العلم وكانوا في الحلقات، أول ما جاءوا ليسوا على شيء، ثم مع المثابرة صاروا من خيار الطلبة علماً وحفظاً وفهماً، فاصبر ولا تتضجر.
وإذا أردت أن تأخذ عن أكثر من عالم فهذا طيب، ولا بأس به، ولكن إذا طلبت شيئاً معيناً عند عالم فلا تطلبه عند آخر، مثلاً: في العقيدة اتجهت إلى شيخ معين يدرسك العقيدة لا تذهب إلى الآخر؛ لأنه ربما يأتي بأشياء تخالف في العرض -لا في العمق- الشيخ الأول ثم تتذبذب، كذلك -أيضاً- تدرس على عالم في الفقه فلا تدرس على عالم آخر في الفقه؛ لأنه ربما تختلف آراء الرجلين فتقع في مشكلة.
احرص على أن تكون دراستك على العلماء، إذا أحببت أن تكون طالباً لأكثر من عالم أن يكون كل واحد منهم له فن، حتى لا تتذبذب، بعد أن تكبر ويتسع علمك فراجع كلام العلماء وقارن بين آرائهم، وحينئذ يمكنك أن تحكم بما ترى أنه الحق.