Q فضيلة الشيخ: نحن مجموعة من الشباب على عتبة باب الجامعة، وقد سمعنا وقرأنا فتوى فضيلتكم: في أن طلب العلم الشرعي أفضل من طلب غيره من العلوم، وأن صاحب العلم الشرعي هو الذي يحصل له الأجر أكثر من غيره، وهذا يعني أنه سيستحسن كثير من أبناء المسلمين طلب العلم الشرعي وترك غيره من العلوم كدراسة علم الطبيعة، مما يقتضي امتلاك الكفار لزمام الحياة وتقدمهم على المسلمين في شتى المجالات، وهذا جعلنا في حيرة من أمرنا، فسؤالنا يا فضيلة الشيخ: هل إذا توجهنا لدراسة علم الطبيعة بنية خدمة الإسلام فهل نستحق الأجر في الآخرة ونفع العباد كصاحب العلم الشرعي؟ نرجو توجيهنا في ذلك جزاكم الله خير الجزاء، وبارك فيكم وفي علمكم.
صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم، أقول: إذا قيل هذا أفضل من هذا فليس يعني أن المفضول يترك ويهدر، بل من الناس من يلائمه العلوم الشرعية، ومن الناس من يلائمه العلوم العربية، ومنهم من يلائمه علم الفيزياء، ومنهم من يلائمه علم الطبيعة، ومنهم من يلائمه علم الصناعة، والناس كأصابع اليد كل إصبع يعين الآخر، وبتعاون الأصابع تشتد القبضة على ما في قبضة الإنسان، فإذا قلنا: إن تعلم العلم الشرعي أفضل العلوم فلا يعني ذلك أن العلوم الأخرى ليس فيها فضل، بل فيها فضل، وقد يكون الإنسان بإرادته نفع الإسلام والمسلمين حائزاً على أجر كبير.
والتفضيل بين العلوم هو تفضيل لذات العلوم بعضها على بعض، أما ما يحتك بها من أمور أخرى فقد يعرض في المفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، فمثلاً: علم الطب لا شك أنه علم فيه خير للأمة، فيه إنقاذ لحياة البشر، فيه إعادة لصحة المريض وما أشبه ذلك، علم الصنائع - أيضاً - فيه خير كثير للأمة، يسد العالم حاجة أمته ويعينها على شئون دنياها، فأيهما أفضل وأنفع: أحياناً نقول: هذا أنفع وأحياناً نقول هذا أنفع، حسب ما تقتضيه الحاجة الملحة، والأمة الإسلامية في أوج عزها كانت تملك زمام الأمر كله في العلوم الشرعية والعربية والصناعية والفلكية والطبية وغير ذلك، يعرف هذا من قرأ التاريخ وتأمل حياة الأمة الإسلامية في أوج عزها وكرامتها.