موضوعنا الليلة أن نتكلم عما سمعنا بل على ما تلوته وسمعتموه من قول الله تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} [الطارق:1-2] إلى آخره.
فقوله جل وعلا: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق:1] الواو: للقسم، أقسم الله تعالى بالسماء وذلك لعظمها وارتفاعها وسعتها وقوتها، قال الله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية، وقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] أي: بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] فأقسم الله بالسماء لعظمها.
(والطارق) هل هو الذي يطرق أهله ليلاً أم الضيف الذي يطرق مضيفه ليلاً؟ الطارق قال الله تعالى فيه مفخماً إياه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} [الطارق:2] أي: أيُّ شيء أعلمك عن هذا الطارق؟ وما هو؟ وماذا يطرق؟ فبينه عز وجل، فبين الله عز وجل أنه: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:3] وهل هو نجم واحد أم المراد جنس النجم؟ الظاهر الثاني، أي: أن المراد جنس النجم، وليس نجماً واحداً معيناً؛ لأن كل نجم وإن دق فهو ثاقب، أي: يثقب الظلام بنوره، أحياناً يصل نور الكواكب إلى الأرض، ونحن شاهدنا ذلك، ويشاهده أهل البر الذين ليس عندهم إضاءة بالكهرباء فتجدهم يجدون نور الكواكب ساطعاً في الأرض لا سيما الكواكب المضيئة الكبيرة.
إذاً {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:3] المراد به ماذا؟ هل هو نجم واحد معين أم كل النجوم؟
صلى الله عليه وسلم المراد كل النجوم فهي ثاقبة تثقب الظلام بضيائها، وهي -أيضاً- ثاقبة تثقب الشياطين الذين يستمعون أخبار السماء ويلقونها إلى الكهان، كما قال الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر:18] يثقب الشيطان -يخرقه- حتى يحرقه.
هذه الشياطين التي تسترق السمع تنزل بما تسمع من السماء على الكهان، والكهان هم الذين يحدثون الناس بما يكون في المستقبل سواء كان عاماً أو خاصاً، فالكاهن يقول: سيحدث مثلاً في هذا العام المقبل كذا وكذا من البلاء والمصائب، أو يقول لشخص معين: يا فلان سينالك في هذا العام المقبل كذا وكذا.
فالكاهن إذاً: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل سواء كانت هذه المغيبات عامة أو خاصة.
تنزل الشياطين بما سمعت من السماء على الكهان فيأخذ الكاهن ما سمع ثم يضيف إليه كلمات أخرى، كما قال بعض السلف: يكذب معها مائة كذبة، فيتحدث الناس بهذا الخبر، ثم إذا وقع شيء مما أخبر به ادعى أنه يعلم الغيب، وقال: إنه يعلم ما سيكون، وسلب عقول الناس، ولقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) أي إنسان يأتي إلى كاهن ويقول: يا فلان أخبرني كيف سيكون مستقبلي؟ قال: مستقبلك طيب، أو قال: مستقبلك رديء، فإذا صدق فقد كفر بما أنزل على محمد، لماذا؟ لأن الله تعالى قال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] فمن صدق أحداً بعلم الغيب فقد كذب هذه الآية، وتكذيب جزء من القرآن أو آية من القرآن أو حرف من القرآن كفر وردة عن الإسلام.
وإننا في هذا الزمن ابتلينا بمثل هؤلاء أو قريب منهم، وابتلي الناس -أيضاً- في الأوهام والتخيلات التي لا أصل لها، فتجد الواحد إذا أصيب بأدنى شيء ولو بضيق صدر طارئ يضيق صدره بحادث طارئ ثم يقول: إنه قد أصيب بجن أو سحر أو عين، ثم لا تزال هذه التخيلات في ذهنه حتى تنعقد، وتكون حقيقة أو قريبة من الحقيقة، ولهذا يجب علينا ألا نصدق هذه الأوهام وأن نعرض عنها، ومتى أعرضنا عنها فإنها ستزول بإذن الله، لأن جميع الوساوس الرديئة التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، إذا امتثل الإنسان أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها، نجا منها.
ألم تعلموا أن الشيطان يأتي إلى الإنسان ويقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق الله؟! نسأل الله العافية! وحينئذ يجب أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم، وينتهي ويعرض ولا يلتفت.