فنقول وبالله التوفيق: إن الله سبحانه وتعالى ابتدأ هذه السورة سورة (ق) بهذا الحرف (ق) ، وهذا حرف هجائي أحد الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء.
هذا الحرف الهجائي هل له معنى مستفاد بمقتضى اللغة العربية أو ليس له معنى؟ جوابنا على ذلك: ليس له معنى مستفاد بمقتضى اللغة العربية؛ لأن الحروف الهجائية حروف مهملة لا معنى لها في حد ذاتها، وعلى هذا فكل الحروف الهجائية الموجودة في أوائل السور ليس لها معاني، ودليل ذلك قول الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:192] يعني: القرآن {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3] {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2] وبناءً على ذلك نقول: هذه الحروف (ق) ، (ص) ، (ألم) ، (ن) ، (ألر) ، (ألمر) هذه الحروف بمقتضى اللسان العربي لا تفيد معنى في ذاتها فليس لها معنى، ولكن سيرد على القلب إشكال وهو: هل يكون في القرآن شيء لا معنى له؟ الجواب لا يمكن أن يكون في القرآن شيء لا معنى له؛ لأننا لو فرضنا ذلك لكان في القرآن ما هو لغو وليس في القرآن من لغو لكن هذه الحروف وإن لم يكن لها معنى في ذاتها، إلا أن لها مغزى عظيماً وذلك في إقامة التحدي التام للعرب الذين كذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا عن القرآن: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] فيقال: إذا كان قول البشر كما زعمتم فأتوا بمثله، فأتوا بسورة، ائتوا بحديث مثله، مع أنه لم يأتِ بشيء غريب على لسانكم وإنما جاء بالحروف التي تركبون منها كلامكم، كلام العرب مم يتركب؟ من الحروف الهجائية، ثمانية وعشرون حرفاً لا تزيد، كل كلام العرب يتكون من هذه الحروف الهجائية الثمانية والعشرين، والقرآن لم يخرج عن هذه الحروف الثمانية والعشرين ومع ذلك أعجز العرب، فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، وهذا الذي ذكرناه هو ما نقله ابن كثير رحمه الله في تفسير أول سورة البقرة عن مجاهد؛ أن هذه الحروف الهجائية التي تكون في أوائل بعض السور ليس لها معنى في حد ذاتها، ولكن لها مغزى، ولهذا لا تجد سورة بُدأت بهذا الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن إلا نادراً.
إذاً: قوله تعالى: (ق) هو حرف هجائي ليس له معنى في حد ذاته، لكن له مغزى وهو إقامة التحدي لهؤلاء المعارضين المكذبين بحيث يقال لهم: هذا القرآن هو من الحروف التي تركبون منها كلامكم، ومع ذلك أعجزكم وعجزتم عن أن تأتوا بمثله.