ويتضح ذلك من العبارة التي سبقت هذ الجملة مباشرة والتي تقول: "بواسطة استخدام القيم الخلافية التي تتمايز بها وظائف الأصوات في الكلمات". ذلك بأن القيم الخلافية والوظائف والكلمات كلها أجزاء من اللغة لا من الكلام, وهي الآن وهنا تتخذ أداة التجريد اللغوي, أي: لتقسيم الأصوات إلى حروف.
ويتم هذا التقسيم بواسطة اختبار بسيط يجري على الأصوات في الألفاظ التي تتحقق بها الكلمات ليظهر سلوكها من حيث التداخل والتخارج في الموقع المعين من الكلمة, ومعنى التداخل: أن يصح أن يحل أحد الصوتين محل الآخر في اللفظ فيتغير معنى الكلمة بحلوله, ومعنى التخارج: أن يتعذّر على أحد الصوتين أن يحل من اللفظ محل الصوت الآخر, ولو أجبرنا الموقع على قبوله لبدت الكلمة على صورة لا تعترف بها اللغة. فالصوت الذي يحل محل صوت آخر لا بُدَّ أن ينتمي إلى حرف غير الذي ينتمي الأخير إليه, والصوتان اللذن لا يحل أحدهما محل الآخر ينتميان إلى حرف واحد بعينه, وهكذا يخضع كل صوت من أصوات الكلام للاختبار بوضعه بإزاء كل صوت آخر على حدة, واعتباره مما ينتمي إليه أو لا ينتمي إليه هذا الصوت الآخر, حتى نصل في النهاية إلى تحديد انتماءات الأصوات كلها. وهذه الطريقة تسمى "الاستبدال". وسنرى فيما يلي تطبيقا لاستخدام هذه الطريقة في الكشف عن النظام الصوتي للغة.
خذ مثلًا لفظ "طاب" أي: صار طيبًا, وهو يشتمل على أصوات ثلاثة, أولها صحيح وثانيها معتل وثالثها صحيح, فإذا استبدلنا بالصوت الأول وهو "ط" صوتًا آخر مثل "ش", أمكن أن يحل هذ الصوت محل الصوت الأول, ويتغير معنى الكلمة تبعًا لعملية "الاستبدال", فإذا استبدلنا بصوت "ب" الذي في آخر الكلمة صوتًا آخر مثل "ل" مثلًا, تغيِّر المعنى مرة أخرى إذ صار