تطبيق الأنظمة على الكلام المنطوق تعمد اللغة إلى تقديم طائفة من الحلول تسمَّى الظواهر الموقعية1 أو المعالم السياقية, وإنَّ اختصاص النطق دون الكتابة بهذه الظواهر يجعل الكلام المسموع أغنَى وأكثر تنوعًا من الكلام المكتوب.
4- إن وجود النَّبر والتنغيم بالذات -من بين الظواهر المذكورة- في الكلام المسموع دون المكتوب يجعل الأول أقدر في الكشف عن ظلال المعنى ودقائقه من الثاني, ولقد حاولت الكتابة أن تستعيض عن التنغيم بالترقيم, ولكنها لن تعوض النَّبر بوسيلة أخرى, ولم يحاول الكاتبون ذلك.
لهذا كانت دراسة الكلام المنطوق المسموع مقدمة لا بُدَّ منها لدراسة الأنظمة -القواعد- اللغوية, أو بعبارة أخرى: لدراسة اللغة نفسها، وأصبح علم الأصوات تمهيدًا بالملاحظة الحسية لإنشاء علم الصوتيات الذي هو تخطيط عقلي لقواعد الأصوات, بناءً على هذه الملاحظة الحسية.
إذا رأى أحدنا سائق سيارة يصدم أحد المارة وتطوَّع بالشهادة أمام شرطة المرور, فإنه قد يقتصر على وصف الحركة التي أدَّت إلى المصادمة فيقول: "إن السيارة كانت مسرعة على الجانب الفلاني من الطريق, وعبر هذا الشخص الطريق في الوقت الذي كان النور الأخضر فيه مضاءً أمام السيارة, وحاول السائق أن يتوقَّف قبل بلوغ هذا الشخص, ولكنه لم يتمكن". في هذه الحالة يكون وصفه للأحداث غير مختلط بتفسيرها في ضوء قواعد المرور, ولكنه إذا جاء في كلامه بما كان ينبغي لهذا أو ذاك أن يفعله حسب ما تقضي به قوانين المرور, فقد بدأ يتخطَّى مجرد الوصف الحسي إلى ذكر قواعد معينة تُرَاعَى في العادة. وحين كان هذا الشاهد يقصر كلامه على وصف الحركات التي لاحظها فحسب, كان موقفه شبيهًا بموقف الباحث في أصوات اللغة, فهو يلاحظ ما يقوم به الجهاز النطقي لدى المتكلم من حركات, وما يصاحب هذه الحركات من آثار سمعية فيسجل ذلك ويكتفي به. وحين كان الشاهد المذكور يفسِّر موقف السائق وموقف الماشي في ضوء نظام المرور كان عمله